«الآيات الدستورية المُلزمة» في «القرآن الكريم»

«الآيات الدستورية المُلزمة» في «القرآن الكريم»

دكتور/ بهاء الدين محمود محمد منصور

مجلة الشيخ صالح للاقتصاد الاسلامى ، جامعة الأزهر ، القاهرة ، السنة الحادية و العشرون – العدد الثانى و الستون ، 1438 هجرية – 2017 ميلادية.

تقديم وتلخيص المقالة:

في «سورة آل عمران، الآية 7» بيانٌ بأن في «القرآن الكريم» آياتٌ محكمات هن «أم الكتاب»، هذه «الآيات مجتمعة» تبين «إطاراً دستورياً مُلزِماً» لكل المسلمين عامةً وعلى وجه التخصيص «رئيس الدولة، والقائمين على التشريع وصياغة القوانين، والقاضي والمفتى في أمور الدين»، جمع وإظهار هذه «الآيات الدستورية المُلزِمة» وبيان وجوب العمل بما فيها باعتبارها «قواعد آمرة في الشريعة الإسلامية» لا يجوز الانحراف عن واجباتها ومقتضيات العمل بما فيها بالقول بأنها «آيات بالمبادئ الأخلاقية» هو موضوع هذه المقالة.

          في هذه المقالة إثباتٌ بأن في «مجموع الآيات المحكمات» اللاتي هن «أم الكتاب» بيانٌ بآياتٍ دستورية، نجد في «صياغتها» كل «العناصر القانونية اللازمة للمبادئ الدستورية» كما هي في «الدساتير الحديثة» وفي مجموعها «إطارٌ دستوريٌّ قانونيٌّ مُلزم» يشتمل على كل «حقوق الإنسان الأساسية» كما هي في «الوثائق العالمية المعاصرة» بما فيها «إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصادر عام 1949» وتسبقها، وبذلك يكون «القرآن الكريم» هو «أقدم وثيقة حقوق إنسان مكتوبة متكاملة» عرفتها البشرية، وبذلك تسقط كل الدعاوى القائلة بأن الإسلام دينٌ ينشر ثقافة الاستبداد والعنف السياسي وانتهاك حقوق الإنسان كما يدعى الجهلاء من أعدائه.

          وبذلك يبدأ «مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية» بإعلان «الالتزام بمواد القانون الدستوري» الذي يبينه «مجموع الآيات المُحكمات» اللاتي هن «أم الكتاب»، ثم يأتي تالياً له «آيات الأحكام والحدود» حيث «النظام التشريعي الإسلامي» مثل كل «النظم الدستورية الحديثة» يبدأ بالقانون الدستوري ليهيمن على كل النظام القانوني وذلك بناءً على مبدأ: «سمو الدساتير وتدرج القوانين».

بإثبات وجود «إطار دستوري» مُكوَّن من «آيات مُحكمات» لا اجتهاد مع الالتزامات المنصوص عليها فيها، أي هي من «أصول الدين»، ومع الثابت العام من «المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية» التي هي «حفظ الكليات الخمس»: «حفظ النفس (حق الإنسان في الحياة)، والعقل (حق الإنسان في حرية الفكر)، والدين (الحق في حرية الاعتقاد)، والنسل، والمال»، حيث تمثل «المقاصد الدستورية» ومنها تتفرع المقاصد في المعاملات وأحكامها وكذلك في كل الموضوعات الجزئية، وبذلك ينفتح الباب للتشريع في «مستجدات الحياة المعاصرة» مما ليس فيه نص وما ليس فيه حكمٌ من الأئمة السابقين، وهذا يعالج المشكلات المُعاصرة المُزمنة في «الفقه» و«علم أصول الفقه»، فضلاً عن أن «الحل الأصولي» لهذه المعضلات القائم على تعريف «إطار دستوري» (قائم على «آيات مُحكمات») و«مقاصد كلية» ينتج عنه بالتبعية الحل للمشكلات الناتجة عن ما يتم تداوله تحت أسم «التراث والمعاصرة» أو «الأصالة والمعاصرة»، وكذلك الناتجة عن «ميراث الإسلام السياسي» وتناقضاته التي تتراوح بين «الخلافة الراشدة» و«المُلك السياسي» للدولة الأموية ومن سار على منهاجها.

مقدمة

          في «سورة آل عمران، الآية 7» بيانٌ بأن في «القرآن الكريم» آياتٌ محكمات هن «أم الكتاب»، هذه «الآيات مجتمعة» تبين «إطاراً دستورياً مُلزِماً» لكل المسلمين عامةً وعلى وجه التخصيص «رئيس الدولة، والقائمين على التشريع وصياغة القوانين، والقاضي والمفتى في أمور الدين»، إظهار هذه «الآيات الدستورية المُلزِمة» وبيان وجوب العمل بما فيها باعتبارها «قواعد آمرة في الشريعة الإسلامية» لا يجوز الانحراف عن واجباتها ومقتضيات العمل بما فيها بالقول بأنها «آيات بالمبادئ الأخلاقية» هو موضوع هذه المقالة.

« القواعد الآمرة في الشريعة واجبة»، أما «القواعد الأخلاقية» ففي إتباعها «ثوابٌ وتقدير من الله والمجتمع» و«لا عقوبة على عدم إتباعها على أي وجه من الوجوه» فهي «فضلٌ وإحسان» وبالتالي فهي «اختيارية وليست واجبة على أي وجه من الوجوه»، القصد من هذه المقالة هو إثبات وجود «آيات المبادئ الدستورية المُلزِمة» في «القرآن الكريم» وأثرها على «الفقه» و«علم أصول الفقه».

            خلق الله آدم في الجنة حيث قطوفها دانية حيث ملكوت الله الأعلى وفيها مخلوقات الله المقَرَّبة وأمره بأن لا يقرب شجرة معينة ولكنه لم يجد في نفسه العزم وأكل منها لأنه لم يدرك التزاماته في مجتمع الجنة، ولذلك أنزله الله إلى الأرض حيث يجد فيها كل ما يريد من أرزاق ولكن عليه أن يسعى في البحث عن هذه الأرزاق وقطفها، ومن هنا عرف الإنسان قيمة العمل ثم عرف «التخصص وتقسيم العمل» و«تبادل السلع والخدمات»، وهذا استوجب التجمُّع، «و إذا اجتمعـوا فلابد لهم من سُلطة مركزية تدير الأمور العامة (فاستحال بقاؤهم في فوضى دون حاكم [1]، فالسلطة تُـعد ظاهرة اجتماعية في المقام الأول لأنه لا يُتصوَّر وجودها خارج الجماعة، كما لا يُتصوَّر قيام الجماعة دون السلطة[2]،[3] ، وإذا كان لابد من الاجتماع وتفويض سلطة مركزية للحكم والإدارة فلابد من وجود «قواعد عامة لتنظيم المجتمع» يحرسها ضمير الجماعة أخلاقاً وأعرافاً ولكن عامود هذه القواعد التنظيمية هو: «التشريعات والقوانين التي تنظِّم الحقوق والواجبات وتحرسها السلطة الحاكمة» لأن خرقها يهدد المجتمع ذاته، هذه التشـريعات والقوانين تبين الحقوق والواجبات بين أطراف المعاملات في المجتمع، وكذلك تنظِّم العلاقة بين الحاكم والشعب وتبين حق التشريع في المجتمع، وقد سار هذا الموضوع في عدة أطوار كما يقول ابن خلدون: أولها «المُلك الطبيعي» حيث لا يوجد قانون في الدولة والحاكم يفعل ما يشاء بكل ما هو داخل حدود دولته ويغيِّر قواعده القانونية وقت ما شاء وكيف ما شاء (مثل الفراعنة)، ثم تقدَّمت الدولة إلى الأفضل وهو «المُلك السياسي» حيث يوجد قانون مكتوب في الدولة ولكن يكتبه الحاكم ولا يُطبَّق عليه (مثل كسرى وقيصر)، وأخيراً «الخلافة» وهى وجود قانون في الدولة يتم تطبيقه على الكافة بما فيهم الحاكم[4]، وفى هذا الشأن نذكر أن دولة المدينة المنوَّرة في عهد الرسول الكريم وخلفائه الراشدين كانت على نمط الخلافة، فقد ألزموا أنفسهم وأبناءهم بإقامة الحدود على من يخطئ منهم ونذكر في ذلك حديث الرسول الكريم إلى أسامة بن زيد عندما جاءه يشفع في امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده: «والذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» [5] ، [6]، وكذلك موقف سيدنا عمر يوم وقف رجلٌ من العامة يحاسبه على حُلَّةٍ طويلةٍ يلبسها في المسجد وقَبِلَ منه المحاسبة وأجاب على مساءلته إياه [7] ، [8] .

          الدولة التي يوجد فيها قانون يتم تطبيقه على الكافة بما فيهم الحاكم تسمى في عُـرف ابن خلدون باسم «دولة الخلافة» وذلك بالإشارة إلى دولة الخلفاء الراشدين وهى نفسها «الدولة الدستورية» في «الفقه الدستوري» [9] ، [10]  الحديث، وكذلك هي نفسها «الدولة القانونية» الخاضعة للقانون حقيقةً وجوهراً كما علِمَ وفَقِه وأراد «الخلفاء الراشدون» أبوبكر وعمر رضى الله عنهما [11]، [12] ومن بعدهما عثمان وعلى ثم عمر بن عبد العزيز، لا شكلاً ومظهراً كما أصبحت بعد تحوُّل «النظام السياسى» إلى «المُلك السياسى» بعد أحداث «الفتنة الكبرى».

أرسل الله سبحانه وتعالى رسالته الخاتمة بالإسلام في القرن السابع الميلادى؛ ولم تكن البشرية تعرف في علوم «التشريع: الذى تحرسه السلطة الحاكمة» ما هو أعلى وأبعد من «القواعد القانونية: وهى القواعد التنظيمية وفيها الأوامر والنواهى مشفوعةً بالجزاء المادى»، ولذلك عرف فقهاء الدين الإسلامى «آيات الأحكام: وهى آيات الأوامر والنواهى المشفوعة بالجزاء المادى» منذ نشأة الفقه المكتوب في بدايات القرن الأول الهجرى (القرن الثامن الميلادى) واستمر الأمر كذلك حتى نهاية عصر الاجتهاد بنهاية القرن الخامس عشر الميلادى، وعلى «آيات الأحكام» قام النظام القانونى والقضاء الشرعى في الدول الإسلامية، وقد اعتُبِرَت الدولة مسئولةً عن تطبيق الشريعة الإسلامية طالما هناك جزاء مادى منصوصاً عليه في هذه الآيات، ولكن «فى القرآن الكريم آياتٌ مُحكمات لتنظيم السلوك في المجتمع وتشمل أوامر ونواهى وتقريراً لحقوق وواجبات عامة ولكنها غير مشفوعةٍ بالجزاء المادى»؛ هذه الآيات تم إدراجها في الفقه الإسلامى باعتبارها «آيات توصى بالقيم الأخلاقية الكريمة» [13] ولا شأن للدولة ولا نظامها بهذه الأحكام، ما نريده في هذه المقالة هو أن نبيِّن ونضع الإثبات بأن هذه الآيات المُحكمات هن «آيات تشريع دستورى مُلزِمة» تقرر: «الحقوق والحريات العامة وتخاطب المسلمين كافةً وعلى وجه الخصوص الحكام منهم وتنظِّم لهم علاقتهم بالشعب الذى يحكمونه» حتى تنشأ «دولة الخلافة» وليس «دولة المُلك السياسى» وكذلك تبين «إطاراً دستورياً» لكى «يضبط كتابة القوانين الوضعية في الدولة الإسلامية في ما ليس فيه نصٌّ مُحكم أو فيه أياتٌ متشابهات» وبهذا الإطار العام يلتزم كل العاملين بالسياسة أو بالشئون الدينية أو القانونية في فقه وتفسير النصوص ذات الصلة، وما تأخر الفقهاء في إدراك التزام الدولة بأحكام هذه الآيات إلا لأن الفقهاء قد ارتكنوا إلى التقليد ولأن «هذه الآيات المُحكمات تقرر الحقوق والحريات العامة للانسان حيث لا يجوز لأحدٍ أن يعتدى عليها» وبالتالى هى «قيدٌ على التشريع والتقنين في الدولة» وهى كذلك «قيودٌ على الحكام عند ممارستهم للسلطة» و«لا يكون اتباعها مكرمةٍ منهم» وهذا ما علم والتزم به الرسول الكريم وخلفاؤه الراشدون في الحكم والادارة لدولة المدينة المنوَّرة حتى إسقاط هذه الدولة الراشدة ليحل محلها «مُلك بنى أمية» وذلك منذ أحداث الفتنة الكبرى عام 40 هجرية مما وضع قيداً على أئمة الفقه المكتوب منذ نشأته في نهاية القرن الأول الهجرى (القرن الثامن الميلادى) ألا يثيروا غضب «حكام المُلك العضود» و«المُلك الجبرى» الذين لا يزالون يحكمون البلاد العربية والإسلامية حتى اليوم في القرن الواحد والعشرين وذلك إذا أعلنوا مبدأ الواجب والالتزام المقترن بهذه الآيات المُحكمات في وجه هؤلاء الحكام فاكتفوا بالقول بأنها واجبة أخلاقياً وليس تشريعياً.

لقد سبق في بحوثٍ سابقة جمع آيات القرآن الكريم بحسب موضوعاتها، ونشير هنا إلى بحثين هما الأقرب لموضوع هذه المقالة؛ البحث الأول هو «دستور الأخلاق في القرآن» [14] للدكتور/ محمد عبد الله دراز حيث كان القصد من هذا البحث هو «بيان مجموعات آيات القرآن التى تبين أحكاماً في حُسن الأخلاق»، ولم يبين هذا البحث أن هناك إطاراً يحيط بكل هذه المجموعات وبالتالى فإن مفهوم «بيان أو صناعة الإطار الجامع المانع الفاصل بين الشرعى وغير الشرعى» كما هو في «وثائق الدساتير الحديثة» لم يكن ضمن مقاصد هذا البحث ولا من أولوياته أو بياناته أو مُخرجاته، البحث الثانى هو «ثمانية مقالات علمية مُحَكَّمة» قد تم نشرها لهذا الغرض حيث تم «جمع الآيات المُـحكمات» وبيان «أنها تُـعـرِّف إطاراً مُـحكماً من المبادئ يفرِّق بوضوحٍ قاطع بين الشرعى وغير الشرعى» [15]، ونذكر منها المقالات: «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»([16]، «فى تفسير المادة الثانية من الدستور المصرى» [17] ، «دستورية القرآن الكريم وعلم أصول الفقه الإسلامي» [18] ، كان القصد من هذه المقالات هو إصلاح الفقه السياسى الإسلامى بإثبات أن: «مجموع الآيات المُحكمات» اللاتى هن «أم الكتاب» تشمل «كافة حقوق الإنسان الأساسية» كما جاءت في وثيقة حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1949» [19]  وتزيد عليها في جوانب «العدل والمساواة والضمان الاجتماعى»، وبناءً على ذلك تم إثبات عدم شرعية «فقه الحكم بالغلبة» وتناقضه مع «أم الكتاب» وأن كل من «حكم بالغلبة» إنزلق إلى الخروج عن «الإطار الجامع المانع للحدود الشرعية الإسلامية الذى يقع بداخله الحلال ويقع بخارجه الحرام» [20] ، والقصد من هذه المقالة هو استكمال ما سبق بالبيان بأن هذا «الإطار الجامع المانع للحدود الشرعية الإسلامية» لا يقتصر دوره على ضبط «الفقه السياسى الإسلامى» بل يمتد دوره ليدخل في نسيج «الفقه» و«علم أصول الفقه» لنجد الاجابة على كل الأسئلة والأحكام الشرعية في «المتشابه من الموضوعات» و«ما استجد من المعاملات» التى «لا يوجد فيها نص قطعى من القرآن أو السنة» وليس لها «أشباه ولا أمثال» من أحكام الأئمة السابقين.

2- البيان في القرآن بوجود «الآيات الدستورية المُلزِمة»

فى الآية الكريمة: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران:7]، «كل القرآن الكريم قطعى النص» ولكن في موضوع الدلالة يبين الله لعباده أن آيات القرآن الكريم تقع في قسمين رئيسين: الأول هو «الآيات المُـحكمات» وهن «الآيات قطعية الدلالة أى لا يوجد للنص إلا دلالة واحدة» أما باقى «القرآن الكريم» فآياته من «الآيات المتشابهات» حيث يعطى نص الآية أكثر من دلالة في المعنى والتأويل، هذا التأويل ليس مفتوحاً ولكنه مُـقـيَّد بالدلالة العامة «لمجموع كل الآيات المُـحكمات» لأن لهذا المجموع دلالته الخاصة المُـقـيِّدة عند تأويل المتشابه فهذا المجموع هو «أم الكتاب» وأن: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ حيث يقومون بتأويل دلالة المتشابه دون التقـيُّد «بأم الكتاب».

جاء في «تفسير الشيخ الشعراوى للآية 7 من سورة آل عمران»: «الحق يقول «منه آياتٌ مُحكماتٌ هن أم الكتاب» ومعنى «أم» أنه الأصل الذى يجب أن ينتهى إليه تأويل المتشابه إن أوَّلت فيه أو تُرجعه إلى المُحكم. ولماذا قال الحق «هن أم الكتاب»؟ ولم يقُـل «هن أمهات الكتاب»؟، لك أن تعرف أيها المُؤمن أنه ليس كل واحدةٍ منهن أُمًّا، ولكن «مجموعها هو الأم»، أيضاً قال الشيخ الشعراوى أنه: ليس كل مُحكم أُمًّا للكتاب، إنما «المُحكمات كلها هى الأم» والأصل الذى يرد إليه المؤمن أى متشابه. ومهمة المُحكم أن نعمل به، ومهمة المتشابه أن نؤمن به» [21] ، وهذا يكفى تماماً لبيان أهمية السعى إلى «جمع كل الآيات المحكمات» والنظر فيه باعتبارة «كتلةً واحدةً لا تتجزأ» لأن لها «دلالةً خاصةً في اجتـماعها» بحيث لا يُـقبل أى تفسير للمتشابه من القرآن يتعارض أو يتناقض مع أية آيةٍ مُحكمة حتى نضبط على إجمالى ما يعنيه هذا المجموع كلٍّ من «التفسير والشريعة والعقيدة والعبادات»، أي أن «مجموع الآيات المُحكمات» هو «أم الكتاب» يضبط ويهيمن على كل جوانب الفقه الإسلامى: بدايةً من علوم تفسير القرآن وكافة النصوص التابعة ومنها تفسير وفهم نصوص السنة النبوية المشرفة، وعلوم الشريعة والقانون، وعلوم العقيدة والعبادات.

يعلم ويعترف كل من يعمل في «الفقه» و«علم أصول الفقه» أن «لكل آيةٍ من الآيات المُـُـحكمات دلالتها الخاصة المُـلزمة باعتبارها قاعدة أو قانون مستقل قائم بذاته» وعلى ذلك يقوم المبدأ الأساس: «لا اجتهاد مع نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة النبوية المشرفة» وهذا المبدأ من «المُسَلَّمَات الآساس في الفقه وعلم أصول الفقه» منذ نشأة هذه العلوم، ولكن الآية الكريمة: «سورة آل عمران، الآية 7»؛ وهي نفسها آية مُحكمة الدلالة تضيف على ذلك أن لمجموع «الآيات المُـحكمات» دلالةً خاصة أيضاً بالإضافة إلى الدلالة الخاصة لكل «آيةٍ مُـحكمةٍ مُنفردةٍ على حدة» لأن «مجموع الآيات المُـحكمات» هو «أم الكتاب» الذى يجب الالتزام بما فيه من قيود على «الفقه الإسلامى» بفروعه الثلاثة «العقيدة والشريعة والعبادات» لأن «مجموع الآيات المُحكمات» يضبط «دلالة المتشابه» ويضبط «فقه وأحكام ما ليس فيه نص».

نتيجةً لتقدم البشرية في الفكر السياسى والاجتماعى والتشريع ظهر أول دستور مكتوب في تاريخ البشرية وهو الدستور الأمريكى عام 1776 ميلادية ليضع إطاراً عاماً لا يُسمح لأحدٍ أيّاً كان موقعه بأن يتجاوزه بما يعنى إقامة دولة القانون [22] ، وكان ذلك فتحاً جديداً في النظم التشريعية، ومكملاً لهذا الدستور المكتوب ظهر فقه الرقابة الدستورية على التشريعات والآليات المصاحبة له، وعلى ذلك استقر بناء النظرية العامة للقانون الدستورى على القواعد الآتية [23] :

1ـ مبدأ تدرج التشريعات وسمو الدساتير

2ـ ينبع من مبدأ سمو الدساتير «أن يكون للدستور السمو على ما عداه من تشريعات وأن تكون له مكانة الصدارة عليها، ومن ثم تلتزم جميع السلطات في النظام السياسى في الدولة بوجوب التقيُّد بنصوصه واحترامه وعدم الخروج على حدوده والالتزام به» [24] .

وهذا يعنى أن يكون الدستور مهيمناً على كل التشريعات التى يجب ألا تصدر إلا «فى إطاره وطبقاً لنصوصه وروحه، أيًّا كان مضمونها أو نصوصها أو طبيعتها فهى كلها يجب وبالتعريف وبالتحديد الدقيق أن تصدر وتدور في فلك الدستور» [25] .

وثيقة الدستور في الدولة الحديثة تبين الآتى [26] :

«الإطار الدستورى» الذى يهيمن على التشريع في الدولة في كل المجالات وفي كل المستويات وما يخرج عن هذا «الإطار الدستورى» تطبَّق عليه «عقوبة الإلغاء» أو «عقوبة الإيقاف».

«وثيقة الدستور» تبين الحقوق الطبيعية للإنسان التى لا يجوز لنص قانونى أو إجراء إدارى أو سياسى أن يتعدى أو يتجاوز أحد هذه الحقوقٍ.

تبين الحقوق والواجبات في العلاقة بين رئيس الدولة وأجهزتها المختلفة وشعب هذه الدولة، التى تنبثق من «الإطار الدستوري» ومن «الحقوق والحريات العامة الطبيعية» المكتوبة في «وثيقة الدستور».

وكما حدث في الدول التى تم استحداث كتابة الدساتير وإضافتها على نظامها التشريعي والقانوني عام 1776 ميلادية وما بعده لم يتم نقض شيءٍ مما كان يسبق الدساتير بل جاءت الدساتير لتكمل وتضبط الفقه القانوني الذى كان يسبقها وكذلك يكون الدور المأمول للبحث عن «أم الكتاب» هو أن تكمل وتضبط «الفقه» و«علم أصول الفقه»، إظهار الآثار والمعانى التى تنتج عن «أم الكتاب» هو القصد من هذه المقالة.

3ـ الإشارة إلى «الآيات الدستورية» في كتابات «الفقه والقانون»

عنصرى «الرسالة الإلهية» هما «القرآن والسنة النبوية» وكلٌّ منهما وحىٌ من الله سبحانه وتعالى إلى رسولة الكريم محمد [27]  وقد وعد الله بحفظ «نص القرآن الكريم» إلى يوم القيامة ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر: 9].

«الفقه» فهو ما فهمه البشر من «محتوى عنصرى الرسالة الإلهية»، و«علم أصول الفقه» هو «علم مناهج استنباط الفقه من القرآن والسنة النبوية» ويشمل معايير ضبط صحة وأصولية هذا الاستنباط، بينما «القرآن والسنة النبوية» وحىٌ من الله سبحانه وتعالى ولا يجوز التدخل في محتواهما من البشر فإن كلٍّ من «الفقه» و«علم أصول الفقه» من أعمال البشر ولابد من تحديثهما ومراجعتهما دورياًّ للاستفادة من المستجدات في مناهج البحث والعلوم التى تتكشف يوماً بعد يوم للمعارف البشرية إعمالاً لقول الله تعالى ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾[فصلت:53]، «التراث» هو كل ما وصلنا من أعمال وأقوال من سبقنا من المسلمين وهو يشمل «الفقه» و«علم أصول الفقه»، ولا يمكن أن يشمل «القرآن والسنة» لأنهما خطابٌ مباشر من الله سبحانه وتعالى بغير وساطةٍ من أحد إلى كل إنسان في كل زمان ومكان منذ نزول الوحى إلى يوم الدين [28] .

عندما كانت تستجد واقعة في عهد الرسول الكريم لم ينزل فيها قاعدة عامة تُـنظِّم التعامل معها من قَبْل كان الرسول الكريم ينتظر الوحى إما بالقرآن أو بالسنة، وبعد إكتمال الرسالة الإسلامية الخاتمة «القرآن والسنة النبوية المشرفة» وكلٍّ منهما وحىٌ من الله إلى الرسول الكريم محمد؛ إعتبر المسلمون أن دورهم يقتصر من بعد ذلك على البحث فيهما لاستخلاص «الفقه»، لم يكن هناك أى فقه مكتوب ولكن «فقه» المسلمين للقرآن والسنة كان نقياًّ بالوحى في عهد الرسول ومن بعده «الصحابة المقربين» الذين تعلموا بالصحبة المباشرة للرسول الكريم ونفوسهم النقية وفيهم المبشرون بالجنة، وظل الأمر كذلك حتى نهاية القرن الأول الهجرى (القرن السابع الميلادى) حيث لم يبق أحدٌ من هؤلاء الصحابة واتسعت الفتوحات وتباعدت المسافات بين الناس والعلماء فنشأت الحاجة والضرورة لكتابة «فقه منظَّم مكتوب» يحتوى على صحيح الفقه عندئذٍ بدأ عهد «الفقه على المذاهب الأربعة» (الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة) ووُضِعَت أسس «علم أصول الفقه» على يد الامام الشافعى في مؤلفه «الرسالة» [29] ، [30]  في نفس الفترة، ومن المتواتر في هذه العلوم أن عناصر «الفقه الرئيسة هى: العقيدة والشريعه والعبادات» وكلها حلقات متصلة تتكامل لبيان «الهدى الإلهي»، واستمر الاجتهاد في العلوم الفقهية (فترة الاجتهاد الفقهى) إلى نهاية القرن الثامن الهجرى (القرن الخامس عشر الميلادى) ومن بعد ذلك بدأ عصر «التقليد والتمذهب الفقهى» واستمر الحال كذلك حتى يومنا هذا [31] ، [32] .

حتى اليوم في القرن الواحد والعشرين لا يوجد في «الفقه» ولا «علم أصول الفقه» المنقول عن السلف الصالح ولا المتداول في «المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية» ما يفيد بوجود أى بحث فقهى قد «جمع كل الآيات المُـحكمات» و«تعامل مع هذا المجموع باعتباره وحدة واحدة ذات دلالة خاصة» وأظهر ما فيه من معانى وآثار على «الفقه» و«علم أصول الفقه»، ولكن هناك بحوث وأدبيات سابقة اقتربت من الحديث عن «وجود أدوار دستورية» في «القرآن والسنة» مثالٌ لذلك:

ما جاء في حكم المحكمة الدستورية العليا بخصوص «المادة الثانية من الدستور المصرى» حيث نذكر منه المقتطفات الآتية:

  «من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالى أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيُّـد بها، وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها. ذلك أن المادة الثانية من الدستور، تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصلية التى تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها؛ وإلا اعتبر ذلك تشهياً وإنكاراً لما عُلم من الدين بالضرورة» [33] .

وبالنظر إلى أن السنة النبوية المشرفة قد تُـروى وقائعها على أكثر من رواية ولكن يجمعها الدلالة الواحدة لذلك احتاط القاضى بأن جاء نص الحكم «قطعى الثبوت قطعى الدلالة» ليشمل الثابت المتواتر من السنة النبوية المشرفة بجانب «الآيات المُحكمات» وهذا يتسق مع القاعدة الفقهية: «لا اجتهاد مع نص» والمقصود هو «النص قطعى الثبوت قطعى الدلالة» [34] .

ثم أصدر الأزهر: «بيان من الازهـر الـشريـف إلى الأمـة حول المادة الثانية من الدستور» في 6 يوليو 2012 ليُـؤكِّـد على كل ما جاء في «حكم المحكمة الدستورية عن المادة الثانية من الدستور» ويذكر مقتطفات من الحكم ومنها الفقرة المذكورة بعاليه [35] .

بالاضافة لما سبق، فإن هناك إدراكاً عاماً لدى الفقهاء العاملين في «علم أصول الفقه» أن القرآن الكريم قد جاء فيه: قواعد عامة ومبادئ أساسية ليتم كتابة القوانين على أساساتها في ما ليس فيه نص، حيث نذكر للشيخ عبد الوهاب خلاف: «ومن استقراء آيات الأحكام في القرآن يتبين أن أحكامه تفصيلية في العبادات وما يلحق بها من الأحوال الشخصية والمواريث لأن أكثر أحكام هذا النوع تعبدى ولا مجال للعقل فيه ولا يتطوِّر بتطوُّر البيئات، وأما فيما عدا العبادات والأحوال الشخصية من الأحكام المدنية والجنائية والدستورية والدولية والاقتصادية، فأحكامه فيها قواعد عامة ومبادئ أساسية، ولم يتعرَّض فيها لتفصيلات جزئية إلا في النادر، لأن هذه الأحكام تتطور بتطور البيئات والمصالح، فاقتصر فيها القرآن على القواعد العامة والمبادئ الأساسية ليكون ولاة الأمر في كل عصر في سعةٍ في أن يفصلوا قوانينهم فيها حسب مصالحهم في حدود أسس القرآن من غير اصطدام بحكم جزئى فيه» [36] .

و كذلك نذكر للشيخ محمد الخضرى: «نزل القرآن بلغة العرب، وبيَّنته السُّنة بلغة العرب، وكان المُفتون من أصحاب رسول الله ﷺ بتمام العلم بتلك اللغة، يعرفون معانى ألفاظها وما تقتضى به أساليبها، وصحبتهم لرسول الله ﷺ ومعرفتهم بالأسباب التى من أجلها كانت الشرائع أكسبتهم معرفة سر التشريع» [37] ، وفى رأى مؤلف هذه المقالة هو أن «سر التشريع» الملموس للكافة وليس للخاصة (أصحاب الحدس من الصوفية) هو أن الصحابة كانوا يعلمون أن «الآيات المُحكمات» التى تبين القواعد العامة والمبادئ الأساسية هى «آيات مُلزِمة حتى ولو كانت أحكامها غير مشفوعةٍ بعقوبات مادية على المخالفين» وأن اتباعها غير متروكٍ للاختيار حتى يتحلل من هذه الواجبات من افتقدوا الوازع الدينى كما فعل الحُكَّام المسلمون بعد أحداث الفتنة الكبرى عام 40 هجرية وذلك بالإشارة إلى تحليل ابن خلدون في طبيعة تحول «الخلافة» إلى «المُلك» [38] .

إذن لدينا وثيقـتـان رسميتان صادرتان عن «المحكمة الدستورية العليا» و«الأزهر الشريف» تؤكدان على ضرورة «جمع كل الآيات المحكمات ومعها الثابت والمتواتر من السنة» لنحصل على كل ما هو «قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة» لأنها هى الإطار العام الذى يفصل بين ما هو شرعى وما هو غير شرعى في التشريع الإسلامى.

ولكن على الرغم من «تفسير الشيخ الشعراوى للآية 7 من سورة آل عمران» و«حكم المحكمة الدستورية العليا عن المادة الثانية من الدستور» و«بيان الأزهر الشريف»، والادراك العام لوجود «آيات مُحكمات» تبين قواعد عامة ومبادئ أساسية [39]  تبين سر التشريع [40]  إلا أن أحداً لم «يجمع كل الآيات المُـحكمات معاً» ثم يقوم بتقويم مدى إمكان نجاح هذا الجمع في القيام بدور الإطار العام الذى يقع بداخله كل ما هو شرعى من تفسير للآيات المتشابهات أو «تشريعات أو أحكام تطبيقية لحالات مطلوب القضاء فيها» مما لم يأت فيها «نص قطعى في القرآن والسنة النبوية المشرفة»، أى أن يقوم هذا الإطار بالدور الدستورى في التشريع لضبط النظام القانونى في الدولة.

فى البحث القيم «دستور الأخلاق في القرآن» للدكتور/محمد بن عبد الله دراز نجد في الفصل الأخير: «الأخلاق العملية، نصوص من القرآن» وقد قام بجمع الآيات ذات الدلالة تحت العناوين الفرعية الآتية: الأخلاق الفردية، الأخلاق الأسرية، الأخلاق الاجتماعية، الأخلاق الدولة، الأخلاق الدينية، ثم ملخص الأخلاق العملية: إجمال أمهات الفضائل الإسلامية [41] ، وأساس الإلزام والحساب في البحث الذى يقدمة الدكتور دراز عن «دستور الأخلاق القرآنى» هو «الضمير»، و«الوازع الأخلاقى»، و«حسن النوايا» وهذه كلها أمور مجالها الأخلاق ونذكر في هذا الشأن أن محتوى هذا الكتاب هو رسالة دكتوراه حديثة قدمها الدكتور دراز إلى جامعة السوربون عام 1949، ولكن اتباع «المبادئ الأخلاقية» وحسن الخلق هو فضل واختيار للمحسنين أما «مبادئ التشريع الدستورى» فهى تقنين مُلزِم للدولة وللقائمين على «سلطة الحكم والتشريع».

إذن لدينا في «مكتبة الفقه الإسلامى» مجموعات من الآيات المُنظِّمة للسلوك الاجتماعى هى:

الأحكام العملية: وهى في ما عدا العبادات تسمى في الاصطلاح الشرعى «أحكام المعاملات» وفى الاصطلاح الحديث قد «تنوعت أحكام المعاملات» بحسب ما تتعلق به إلى [42] :

  • أحكام الأحوال الشخصية
  • الأحكام المدنية
  • الأحكام الجنائية (آيات الحدود)
  • أحكام المرافعات
  • الأحكام الدستورية
  • الأحكام الدولية
  • الأحكام الاقتصادية والمالية

عندما يذكر المسلمون «تطبيق الشريعة الإسلامية» فإنهم يتحدثون عن «الآيات المبينة لأحكام المعاملات» وفى القلب منها «آيات الحدود» وقد تم استخلاصها من «القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة»، وهى آيات التشريع المُلزِمة حتى «مستوى القوانين في الدولة» حيث يتوفر فيها خصائص القاعدة القانونية الثلاثة: «أنها قاعدة عامة، تنظِّم السلوك الاجتماعى، أنها قاعدة مُلزِمة حيث يتم النص على جزاء مادى يتم توقيعة على المخالفين»، ولم تكن في الدول العربية والإسلامية قوانين صادرة عن الدولة حتى صدر أول قانون وضعى (مجلة الأحكام العدلية) [43]  الصادر عن الدولة العثمانية عام «1292 هجرية – 1875 ميلادية».

مع ملاحظة أن مجموعات «آيات الأخلاق» هى أيضاً «آيات مُنظِّمة للسلوك الاجتماعى» ولكن الالتزام بما فيها «أخلاقى اختيارى ويمكن التحلل منه إذا وُجِد سبب يبرر ذلك».

مجموعات «آيات أحكام المعاملات» و«آيات الحدود» و«آيات الأخلاق» هذه تختلف اختلافاً جوهريا عن ما نريده من بحثنا هذا حيث مجالنا هو «التشريع الدستورى» بحيث نستكمل ما لدينا من نواتج «علم أصول الفقه» الذى لم يصل إلى أبعد من «مستوى القوانين» فنستكمل بناء «نظام التشريع الإسلامى» بما يكمل مجال الاجتهاد الذى يقع في أمرين: «ما لا نص فيه أصلاً، وما فيه نصٌّ غير قطعى» [44]  وذلك بأن نضع فوقه اللبنة التى تكمله وهى: «مجموع الآيات الدستورية» التى تبين «إطاراً للتشريع والتفسير القانونى لما يحتوية القرآن والسنة في هذا الشأن الإسلامى» بحيث لا يجوز لأحدٍ في الدولة أن يتجاوزه بما في ذلك القاضى والمشرِّع ورئيس الدولة تماماً كما تفعل الدساتير في النظم التشريعية الحديثة، وفى هذا الشأن نذكر أن: هناك ثمانية مقالات علمية مُحَكَّمة قد تم نشرها لهذا الغرض حيث تم «جمع الآيات المُـحكمات» وبيان «أنها تُـعـرِّف إطاراً مُـحكماً من المبادئ يفرِّق بوضوحٍ قاطع بين الشرعى وغير الشرعى» [45] ، وقد تم الاشارة إليها في البند الأول من هذه المقالة، وكان القصد من هذه المقالات هو إصلاح الفقه السياسى الإسلامى بإثبات أن: «مجموع الآيات المُحكمات» التى هى «أم الكتاب» تشمل «كافة حقوق الإنسان الأساسية» كما جاءت في «وثيقة حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1949» وتزيد عليها في جوانب «العدل والمساواة والضمان الاجتماعى»، وبناءً على ذلك تم إثبات عدم شرعية «فقه الحكم بالغلبة» وتناقضه مع «أم الكتاب» وأن كل من «حكم بالغلبة» إنزلق إلى الخروج عن الحدود الشرعية الإسلامية ولولا أن هؤلاء الحكام كانوا من «أصحاب المُلك السياسى الذين وضعوا أنفسهم فوق القانون» لطُبِّقت عليهم الحدود.

تاريخياً قامت الشريعة الإسلامية على «آيات الأحكام» وفى القلب منها «آيات الحدود» حيث يتوفر فيها «خصائص القاعدة القانونية الثلاث» وهى أنها: «عامة، تنظِّم السلوك الاجتماعى»، وتشمل الجزاء المادى على المخالفين»، والإضافة التى تقدمها هذه المقالة عن ما سبق من المقالات الثمانية التى قدَّمها المؤلف هى البيان بأن «آيات الأحكام» التى «لا تشمل الجزاء المادى على المخالفين» هى مواد «قانون دستورى»، وفى مجموعها يَتَبَيَّن «وثيقة قانون دستورى مكتمل الأركان»، وبذلك ننتقل بالبحث في «أم الكتاب» من مجال «إصلاح الفقه السياسى الإسلامى» إلى المجال الأشمل وهو إصلاح «فقه الشريعة الإسلامية» ويلحق بها البيان بأثر هذا «القانون الدستورى» على «علم أصول الفقه» وموقعه منه، وكذلك أثر هذا «القانون الدستورى» على «الفقه» وموقعه منه.

4- الفروق الجوهرية في الصياغة والخصائص بين القواعد: «القانونية»، و«الدستورية»، و«الأخلاقية»

منذ نشأة المجتمعات البشرية ظهرت الحاجة إلى وضع «القواعد لتنظيم السلوك الاجتماعى» حيث تختلف طبيعتها باختلاف نوع النشاط البشرى الذى تتولاه بالتنظيم ونطاق وأثر هذه القواعد، وطبيعة الالتزامات ومدى جواز خروج الأفراد على أحكامها باتفاقاتهم الخاصة من عدمه [46] .

فى البند السابق تم تعريف خصائص القاعدة القانونية الثلاثة: «أنها قاعدة عامة، تنظِّم السلوك الاجتماعى، أنها قاعدة مُلزِمة حيث يتم النص على جزاء مادى يتم توقيعة على المخالفين»، وفى الفقرة التالية سيتم البيان بتفصيل القانون بالمعنى العام أو الواسع وذلك بحسب مصدر الالزام.

القانون بالمعنى العام أو الواسع: يشمل جميع القواعد القانونية المُلزِمة التى تنظم علاقات الأفراد في المجتمع، أيا كان مصدر هذه القواعد، فسواءٌ كان مصدرها هو التشريع (الصادر عن سلطة الدولة) أو العرف (الصادر عن المُجتمع ولا شأن للسلطة العامة في الدولة به) أو الدين (و مصدره الوازع الدينى ولا شأن للسلطة العامة في الدولة به) أو غير ذلك، فإنها تسمى قانوناً بالمعنى العام [47] ، وعلى ذلك فإن تعريف القاعدة القانونية في الاصطلاح القانونى هو: أنها العلاقة المطردة بين ظاهرتين هما الفرض والحكم، فهى تعنى الاستمرار والتكرار، بحيث يُطبَّق حكمها كلما توفرت شروط الفرض الوارد بها [48] ، والقاعدة القانونية لا تنظم إلا السلوك الخارجى للإنسان [49] ، وتتميز القاعدة القانونية، أخيراً، بأنها مُلزِمة، وهذا الالزام في القاعدة القانونية يأتى من اقترانها بجزاء يُوقَّع على من يخالفها، فتزويد القاعدة القانونية بالجزاء هو الذى يكفل طاعتها ويحمل الأفراد على احترام أحكامها وعدم الخروج عليها، وبدون الجزاء تفقد القاعدة صفة الالزام، وتهبط إلى مصاف القواعد الأخلاقية وقواعد المجاملات، لأنها تصبح عندئذٍ مجرد نصيحة أو توصية يكون للأفراد الحرية في اتباعها أو عدم اتباعها وفقاً لأهوائهم ومشيئتهم، وفى ذلك ما فيه من زعزعة الثقة في المعاملات وانهيار النظام والاستقرار في المجتمع [50] .

ويجب أن ننوه هنا أن اصطلاح «القانون» بالمعنى المُعتاد دون ذِكر السلطة الصادر عنها هو: «القانون الصادر عن السلطة العامة للدولة وهى التى تتولى القضاء وتنفيذ العقوبة على المخالفين».

التمييز بين القواعد القانونية الصادرة عن السلطة العامة وغيرها من القواعد الاجتماعية

أولاً: القانون والأخلاق [51]

يُقصد بقواعد الأخلاق مجموعة المبادئ والقيم المستقرة في ضمير الجماعة، والتى تحض على عمل الخير ونبذ الشر، وترسم المثل الأعلى لما يجب أن يكون عليه الإنسان في سلوكه، ويؤدى عدم احترامها إلى سخط المجتمع وازدرائه للمخالف.

وتتفق القواعد الأخلاقية مع القواعد القانونية من حيث إنها تهدف إلى تنظيم العيش في المجتمع، وأنها قواعد عامة، ومقترنة بجزاء يتم توقيعه على من يخالفها. ولكن على الرغم من أوجه التشابه هذه فإنه توجد فروق جوهرية بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق.

تختلف قواعد القانون عن قواعد الأخلاق من ثلاثة وجوه [52] :

فمن حيث النطاق: نجد أن دائرة الأخلاق أوسع من دائرة القانون فهى تشمل واجب الإنسان نحو نفسه، وهذه هى الأخلاق الشخصية، وواجبه نحو غيره من أفراد المجتمع، وهذه هى الأخلاق الاجتماعية، هذا فضلاً عن أن الأخلاق تهتم بالمقاصد والنوايا ولا تكتفى في الحكم على الأفراد بسلوكهم الخارجى.

أما دائرة القانون فأضيق، لأنها لا تشمل إلا واجب الإنسان نحو غيره، حيث لا يهتم القانون إلا بالسلوك الخارجى للأفراد، أما ما يكمن في النفس ويستقر في ضمير الفرد فلا شأن للقانون به، وإذا اهتم القانون بالنية أحياناً، فإنه لا يهتم بها إلا إذا اتصلت بسلوك خارجى للفرد.

ومن حيث الغاية: نجد أن القانون غايته نفعية، تهدف إلى حفظ النظام وتحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع، أما الأخلاق فغايتها مثالية، ترمى إلى الوصول بالإنسان إلى مرتبة السمو والكمال.

وأخيراً من حيث الجزاء: فإن جزاء مخالفة القانون هو جزاء مادى محسوس يصيب الإنسان في جسده، أو في ماله، أو يقيد من حريته، وتقوم بتوقيعه السلطة العامة في المجتمع. أما جزاء مخالفة قواعد الأخلاق فهو جزاء معنوى، يتمثل في تأنيب الضمير وسخط المجتمع وازدرائه.

وعلى ما سبق فإنه في عامة الأمر لا شأن للسلطة العامة في الدولة بالمخالفات الأخلاقية إلا إذا كانت المخالفة الأخلاقية تؤدى إلى الإخلال بالنظام العام في المجتمع وتهدد استقراره وتم إثبات الضرر بحيث يقع في نطاق مخالفة أحد النصوص القانونية حيث يوجد المبدأ القانونى المستقر «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص» [53] .

القواعد العامة المجردة التى تنظم السلوك الاجتماعى تنقسم إلى  [54] :

قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها،

وقواعد مكملة يمكن لأطراف العلاقة الاتفاق على ما يخالفها، وبالتأكيد بشرط ألا يخل بأى قاعدة آمرة.

القانون الدستورى [55] :

هو مجموعة القواعد القانونية التى تحدد «شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتبيِّن السلطات العامة التى تباشر بها الدولة وظائفها، وكيفية تكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها ببعضها وعلاقاتها بالأفراد» [56] .

و«وثيقة القانون الدستورى» تبيِّن وتُعَـرِّف تعريفاً دقيقاً مجموعة القواعد والأحكام التى تضبط وتنظم العلاقات القانونية المُلزِمة بين سلطات الدولة بعضها البعض، وبين الدولة والشعب الذى تدير شئونه، وكذلك القواعد المتعلقة بالسلطة السياسية وكيفية ممارساتها وانتقالها بين من يستحقونها بطريقة قانونية شرعية [57] .

كما تقرر «وثيقة القانون الدستورى» الحقوق الأساسية للأفراد قِبَلَ الدولة والضمانات التى تكفل حمايتها. ويُطلق عليه «القانون الأساسى»، أو «الدستور».

فالقانون الدستورى هو القانون الأساسى في الدولة، لأنه يقوم بتحديد المبادئ الأساسية التى تحكم المجتمع؛ تاركاً التفاصيل للقوانين الأخرى التى هى أقل منه في الدرجة، والتى يلزم أن تحترم قواعده ولا تخرج عليها، وإلا أصبحت قوانين غير دستورية وبالتالى غير مشروعة [58] .

وعادةً ما تتركز الحقوق الأساسية للأفراد قِبَلَ الدولة في حقين رئيسين هما: «الحرية والمساواة». فغالباً ما ينص الدستور على ضرورة كفالة الحرية الشخصية، وحرية الرأى، وحرية العقيدة، وحرية التنقل، وحرية التملك، وغيرها. كما يقضى بالمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، فيقرر المساوات بينهم أمام القانون، وفى تولى الوظائف العامة، والترشح للمجالس النيابية، وانتخاب من يمثلونهم في هذه المجالس، وكذلك المساواة في أداء الخدمة العسكرية، والضرائب، والتكاليف العامة [59] .

وبالرجوع إلى أن «خصائص القاعدة القانونية تتحدد بثلاث قواعد أساسية: «أنها قاعدة عامة، تنظِّم السلوك الاجتماعى، أنها قاعدة مُلزِمة (حيث يتم النص في القانون على الجزاء المادى الذى تلتزم السلطة العامة في الدولة بتوقيعة على المخالفين لردع كل من يفكر في المخالفة وتغيير دوافعه)»، وهذا يثير الجدل في ما يتعلَّق بكيفية فرض الالتزام «بقواعد القانون الدستورى» باعتبارها قواعد قانونية مُلزِمة لعدم اقتران النص بجزاء مادى يكفل احترامها ويوجب طاعتها، ونذكر في ما يلى أهم ما تم كتابته بخصوص ذلك.

فى مناقشة تحليلية للموضوع تحت عنوان «طبيعة القانون الدستورى» نجد في الخلاصة منها الفقرات التالية:

«وبتطبيق هذه الخصائص الآساس (للقاعدة القانونية) على قواعد القانون الدستورى نجد أنه لا جدال في توفر القاعدتين الأولتين، فـقـواعد القانون الدستورى هى بالتعريف قواعد اجتماعية حيث تنظم – في جزءٍ منها – علاقة الفرد بالدولة الخاضع لها، وهى قواعد عامة لاتسامها بالعمومية التى هى أخص ما تكون في مضمون قواعد القانون الدستورى، وإنما التساؤل الذى أثير هو: هل قواعد القانون الدستورى قواعد ملزمة على الرغم من أن نصوص هذه القواعد يتم كتابتها خالية من أى جزاء مادى على المخالفين بحيث يتم كفالة احترامها ويفرض طاعتها؟» [60] .

ويُكتب في بيان السبب في خلو «مواد القانون الدستورى» من ذِكر الجزاء المادى على المخالفين: «أن السلطة العامة في الدولة تحتكر لنفسها حق توقيع الجزاء على المخالفين للقانون، ومن ثم فإن الأمر مرده في النهاية إلى السلطة الحاكمة ؛ بمعنى مطالبة السلطة الحاكمة بتوقيع الجزاء على نفسها إذا ما خالفت القاعدة القانونية» [61] .

          ولكن يُبين أن هناك جزاء مادى مؤثر ولكن له طبيعته الخاصة: «و في إطار المخالفة الدستورية فإن «رقابة الدستورية» كفيل بإنزال الجزاء على هذه المخالفة «سواء كانت رقابة امتناع أم رقابة إلغاء»، ففى النهاية فإن «منتج المخالفة للقاعدة الدستورية يُحكم عليه بالبطلان» و«هذا أبشع جزاء في مواجهة العمل غير الدستورى»، وقد يطيح بالسلطة التى ارتكبته، وفى رأينا فإن هذا أشد من الجزاء بمعناه التقليدى كإجراء مادى، وعليه نؤكد رأينا في اعتبار قواعد القانون الدستورى قواعد قانونية طالما بقيت معبرة عن الاتجاهات السياسية والاجتماعية وغيرها للمجتمع القائمة فيه وحيث يقف الرأى العام حارساً عليها وسياجاً لها من كل عدوان عليها والذود عنها» [62] .

وفي الفقرة التالية ما يؤيد الرأى السابق في «مدى اعتبار القانون الدستورى قانوناً بالمعنى الصحيح» [63] :

أنكر بعض الفقهاء الصفة القانونية على القانون الدستورى، وحجتهم في ذلك هى عدم وجود سلطة توقع الجزاء على مخالفة أحكامه. والواقع أن هذا الرأى غير صحيح، إذ هو يغفل ما للقانون الدستورى من طبيعة خاصة تجعل الجزاء فيه يختلف عن الجزاء في القوانين الأخرى، فعند مخالفة القانون العادى يمكن اللجوء إلى السلطة العامة التى بيدها أدوات القهر لكى تفرض احترام القانون بتوقيع عقوبة على المخالف، أما بالنسبة للقانون الدستورى فإن مخالفة أحكامه قد تأتى من السلطة العامة نفسها، وهى التى تحتكر توقيع الجزاء على من يخرج على القانون، ولا تُتصوَّر والحال كذلك أن تقوم هذه السلطة بتوقيع الجزاء على نفسها  [64] .

وفي العلاقة بين «الدستور» و«القانون» فإن: « قواعد القانون الدستورى» مُلزمة لكل «السلطات في النظام السياسى في الدولة» وعلى الأخص «رئيس الدولة» و«سلطة التشريع» حيث استقر بناء النظرية العامة للقانون الدستورى على القواعد الآتية [65] ، [66] :

1ـ مبدأ تدرج التشريعات وسمو الدساتير

2ـ ينبع من مبدأ سمو الدساتير «أن يكون للدستور السمو على ما عداه من تشريعات وأن تكون له مكانة الصدارة عليها، ومن ثم تلتزم جميع السلطات في النظام السياسى في الدولة بوجوب التقيد بنصوصه واحترامه وعدم الخروج على حدوده والالتزام به» [67] .

«إذن هناك مبادئ ثلاثة لوضع إطار تشريعى في الدولة بهدف خلق الاتساق في التشريعات وعدم خروج الأحكام لما هو مُنكر شرعاً، تلك المبادئ هى: تدرج القوانين وسمو الدساتير، هيمنة الدستور على كل التشريعات (والقرارات القانونية في الدولة)، وإلغاء أى قانون أو قرار يتعارض مع الدستور ومبادئه» [68] .

وعلى ما سبق فإن «المحكمة العليا» التى تمارس سلطة «الرقابة على دستورية القوانين واللوائح» تملك سلطة إصدار أحد القرارات الآتية في ما يتم عرضه عليها من «القوانين واللوائح والقرارات الرئاسية المتنازع في دستوريتها» [69] :

رقابة الامتناع: بمعنى أن يمتنع تطبيق «النص الذى ثبت عدم دستوريته» في القضية المطروحة قيد البحث، بينما سظل القانون نافذا في غير هذه القضية.

رقابة الالغاء: فإنها تعنى إلغاء القانون المطعون عليه بعدم دستوريته وإبطاله في مواجهة الكافة، ومن ثم اسقاط هذا القانون من أى اعتبار وكأنه لم يكن.

المحكمة العليا التى تملك سلطة «الرقابة الدستورية» يلحق لها أيضاً «سلطة الاختصاص» في «تفسير نصوص القوانين والمواد الدستورية والقرارات الرئاسية» إذا حدث تنازع بين الجهات القضائية [70] ، وهذا يعنى بوضوح أن الدستور فضلاً عن أنه يبين إطاراً دستورياً للتشريع للقوانين التى لم تُكتَب بعد فإن هذا الإطار الدستورى يضبط التفسير للقوانين التى تم إصدارها بالفعل [71] .

والخلاصة من ما تم ذكره في الفقرات السابقة يصبح واضحاً ومستقراً أن مواد ومبادئ القانون الدستورى بحكم طبيعة موادها هى: «قواعد عامة مجردة وهى تنظم السلوك الاجتماعى، ولكن هذه المواد لا تقترن بجزاء مادى على من يخالفها» [72] ، [73] ، وهذا يجعل «قواعد القانون الدستورى ومواده» تتشابه مع «القواعد الأخلاقية» في الصياغة حيث يحتوى كلٌّ منهما على اثنين من خصائص القانون وهما:

قاعدة عامة مجردة

تنظيم للسلوك الاجتماعى

بينما تزيد عليهما «القاعدة القانونية» بخاصيةٍ ثالثةٍ إضافية وهى [74] ، [75] :

اقترانها بجزاء مادى

وقد اجتهد الفقهاء في جمع آيات الأحكام التى تقترن أحكامها بالجزاء المادى (أحكام المعاملات) كما سبق البيان في البند السابق وقد قام القضاء الشرعى في البلاد الإسلامية على «الآيات المبينة لأحكام المعاملات» باعتبارها مواد قانونية مُلزِمة، ولم يكن في الدول الإسلامية قوانين غير تلك الآيات بأحكامها القائمة على تنظيم المجتمعات الإسلامية حتى صدر أول قانون وضعى تمت صياغته بواسطة السلطة الحاكمة وكان (مجلة الأحكام العدلية) عام 1875 ميلادية، أما «آيات الأحكام» التى «لا يوجد في صياغتها الجزاء المادى» فلم يعتبرها أحدٌ من آيات الشريعة بل اعتبرها علماء الفقه المكتوب «آيات بالمبادئ الأخلاقية» وكانت قمة هذا التوجه في البحث «دستور الأخلاق في القرآن» للدكتور/ محمد عبد الله دراز [76] .

فإذا رجعنا إلى الهدف من هذا البحث وهو إثبات أن «النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة من القرآن والسنة النبوية المشرفة» إذا ما اجتمعت مع بعضها تبيَّن لنا «إطاراً دستورياً تشريعياً مُلزِماً» لا يجوز لأحدٍ أن بخالفه أو يخرج عليه وإلا سقط في مخالفة «أم الكتاب» كما جاء التحذير في الآية المُحكمة الكريمة «سورة آل عمران، الآية 7»، وأن هذه النصوص مُلزِمة تماماً مثل «آيات أحكام المعاملات». لقد اجتهد «علماء الفقه» و«علم أصول الفقه» في جمع «آيات أحكام المعاملات» وضرورة الالتزام بكل ما فيها والتحذير من الوقوع في مخالفتها لأنها قواعد قانونية مكتملة الأركان الثلاثة فهى: «قواعد عامة مجردة، تنظم السلوك الاجتماعى، وتقترن بالجزاء المادى على من يخالفها»، ولكن يختفى من كتب الفقه المنقول عن عصر الاجتهاد وحتى اليوم أى ذكر لوجود «آيات بالمبادئ الدستورية» التى هى «أم الكتاب» والتفسير لذلك ليس لوجود زيغٌ في قلوب العلماء والعياذ بالله ولكن لأنها اختلطت مع «آيات القواعد الأخلاقية» التى اجتمعوا على جمعها والاحتفاء بما فيها دون إدراك الفرق الجوهرى بين «الأخلاق» و«الدستور»، ومثالٌ لذلك أننا سنجد الكثير من «الآيات المُحكمات» التى تم إدراجها في البحث القيِّم «دستور الأخلاق في القرآن» للدكتور/ محمد عبد الله دراز [77]  والذى سبق الإشارة إليه في البند السابق تقع في «مجال الحقوق الدستورية» التى هى «الحقوق والحريات العامة الأساسية» التى أمر الله بها وفى القلب منها «الحرية والمساواة» ولا يجوز لأحدٍ أن يتجاوزها أو يعتدى عليها، وهذا ينقل الحفاظ على هذه الحقوق والحريات من قِبَل الحكام والقائمين على السلطة من بند «الفضل والكرم» إلى بند «الواجب» وضرورة الالتزام الذى تستوجبه الأحكام التى جاءت في «سورة آل عمران، الآية 7» وحذرنا الله من الزيغ عنها.

5- » آيات المبادئ الدستورية» في «القرآن الكريم»

من البند السابق يتضح أنه توجد فروق جوهرية في «الصياغة والخصائص» بين القواعد: «القانونية»، و«الدستورية»، و«الأخلاقية».

«آيات المبادئ الدستورية» في القرآن الكريم هن «الآيات المحكمات» التى تتوفر فيها خصائص «مواد القانون الدستورى» كما تم بيانه في البند السابق وهى أنها: «قاعدة عامة مجردة، تنظيم للسلوك الاجتماعى»، ولا يوجد في نصها أى جزاء مادى على المخالفين. هذه الآيات تتشابه من حيث الشكل مع «آيات المبادئ الأخلاقية» ولكن يفصل بينهما الموضوع الذى تحكم فيه الآيات، حيث تبين «آيات المبادئ الدستورية: الحقوق والحريات الأساسية للأفراد»، والهدف من النص عليها تحديداً هو إلزام رئيس الدولة ومعاونيه في السلطة باحترام هذه «الحقوق والحريات الأساسية» ولا مانع من بيان بعض التفاصيل عنها، وعلى الرغم من أن نصوص هذه القواعد يتم كتابتها خالية من أى جزاء مادى على المخالفين حتى يتم فرض طاعتها وكفالة احترامها، إلا أن هناك من الوسائل والأدوات ما يكفى لفرض «الالتزام بهذه المواد الدستورية» على «رئيس الدولة والقائمين بممارسة السلطة والتشريع» وإبطال أى «إجراء مادى منهم يخالف هذه المواد الدستورية»، وعلى ذلك فإن «النص الدستورى» هو أساس المحاسبة.

فروع الفقه الإسلامى الرئيسة هى: «العقيدة والشريعة والعبادات» وكلها حلقات متصلة تتكامل لبيان الهدى الإلهى، أما فقه «العقيدة والعبادات» وما يلحق بها من «الأحوال الشخصية والمواريث» فإن أكثر أحكام هذا النوع تعبدى ولا مجال للعقل فيه ولا يتطوِّر بتطوُّر البيئات [78] ، والخلاصة هو أن نتجه إلى جمع الآيات التى تبين «الإطار التشريعى للمعاملات الإسلامية» وفى القلب منها «آيات المبادئ الدستورية: الحقوق والحريات الأساسية للأفراد».

الإطار التشريعى العام للمعاملات الإسلامية [79]

«مجموع الآيات المحكمات اللاتى هن أم الكتاب (سورة آل عمران، آية 7)» يعرِّف إطاراً دستورياً محكماً للمعاملات الإسلامية أساساته «مجموعة من الأوامر والنواهى» هى:

الأمر بالعدل والرحمة والإحسان وتأدية الأمانات إلى أهلها: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[النحل:90].

وإذا حَكَم من تم تفويضهم بالسُّلطة بين الناس أن يؤدوا الأمانة ويحكموا بالعدل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾[النساء:58].

وبخصوص السلطة والنفوذ فقد حرَّم الله البغى بغير الحق: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف:33].

أما بخصوص التعامل في الأموال والتبادل الاقتصادى فقد حرَّم الله أكل أموال الناس بالباطل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾[النساء: 29]، وحرَّم التلاعب في الكيل والميزان وبخس الناس أشياءهم لأكل حقوقهم في تبادل السلع الاقتصادية ﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾[هود:85].

وحرَّم الرشوة والإدلاء بأموال الناس بالباطل إلى الحكام: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  ﴾[البقرة:188].

وأمر بكتابة الديون وتسجيل المعاملات لضمان صحة المحاسبة بين الناس على الأموال حفاظاً على حقوق العباد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) ﴾[البقرة:282-283].

أما القواعد الآمرة في التقاضى وواجباته فهى القسط في الشهادة، وتحريم شهادة الزور، والعدل في القصاص: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ﴾[الأنعام:151-152]، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ   ﴾[الحج:30]، ﴿ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾[الفرقان:72]، أما في القصاص فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾[النحل:126].

المبادئ العامة للمعاملات الإسلامية كُلٌّ لا يتجزأ ولو أخذنا واحدة منها بصدقٍ لأدت إلى اتباع باقى قواعدها ولو خرقنا إحداها لخرقنا الآخرين، هذه الآيات تحتوى على قواعد آمرة بما يعنى أن هذه الحقوق طبيعية واحترامها واجب على كل البشر، وإضافةً على ما سبق نجد آيات مُحكمات تخاطب الرسول الكريم بصفته رئيس الدولة: الأولى: تأمر بالشورى كما جاء في الآيتين الكريمتين من سورتى آل عمران ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾[آل عمران:159] والشورى ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾[الشورى:38]، وأقل ما يعنيه ذلك هو حرية الرأى وألا يُضار أحدٌ من اختلافه في الرأى مع أصحاب السلطة والنفوذ، والثانية: تأمر بالتعفف عن التمتع بأبهة السلطة أو اكتساب النفوذ الاجتماعي أو التربح منه، كان الرسول الكريم عفيفاً عن السلطة والمال العام وكذلك حرَّم الله على أزواجه إن كُنّ يردن الله ورسوله فليس لهنَّ إلا أن يكنَّ مثله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾] الأحزاب:28-29[

«القرآن والسنة النبوية المشرف» هما عنصرى الرسالة الإلهية؛ القرآن كتاب الله إلى البشر أنزله من السماء على عبده محمد ولا تبديل لكلمةٍ ولا حرفٍ من هذا التنزيل وقد وعد الله بحفظ كتابه إلى يوم القيامة (سورة الحجر، آية 9)، أما السنة فهى ما أجراه الله من قولٍ أو فعل على رسوله الكريم محمد، وفى «آياتٍ مُحكماتٍ» من «أم الكتاب» جاء بيانٌ من الله بأن السنة وحىٌ من الله إلى رسوله الكريم ليبلِّغه إلى البشر ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴿1﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴿2﴾ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴿4﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴿5﴾ ﴾[النجم:1-5]، وكذلك بيَّـن الله مكانة السنة النبوية المشرَّفة في بيان الرسالة الإلهية للبشر: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾[النساء:59] حيث أطراف هذه الآية أربعة هم «الله والرسول وأولى الأمر وعامة المسلمين» وقد أمر الله المسلمين «بطاعة الله وطاعة الرسول» لأن «كلٍّ منهم مصدر للتشريع» حيث تقوم السنة بدورها المكمل لما جاء في القرآن الكريم في «تفصيل مُجمله وتقييد مُطلقه وتخصيص عامه»، فإذا «تنازع أولى الأمر وعامة الناس» أى أنه لا قداسة لأولى الأمر حيث الاختلاف والتنازع معهم مكفول شرعاً ولكن على «أولى الأمر» و«عامة المسلمين» أن يلزموا حدود الله في ادارتهم للخلاف وأن يحتكموا لما جاء في «القرآن والسنة» [80] .

وفي سنة الرسول الكريم [81] :

نجد أن السلطة أمانة لا تُستخدم لغير الغرض التى فُوضت من أجله، وأخيراً «رد المظالم» قبل مغادرة مقعد السلطة بالوفاة أو بغير ذلك وهذا واضحٌ من ذكر الخبر عن مرض رسول الله الذى توفى فيه [82] ، ومنه نأخذ الدروس والعبر، وكذلك فعل خلفاؤه الراشدون وعلى رأسهم أبوبكر وعمر عند الوفاة ومحاسبة كلٍّ منهم لنفسه وسؤالهم عمن جلد له ظهراً أو شتم له عِرضاً أو كان له درهماً في ذمته.

          أما المساواة أمام القانون فخلاصتها في حديث الرسول الكريم لأسامة بن زيد عندما جاءه يشفع في إمرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده «يا أسامة، لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل، ثم قام النبى ﷺ خطيباً، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذى نفسى بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» [83] .

وبالنظر إلى أن الرسول الكريم يختلف عن البشر جميعا في أنه يوحى إليه وبالتالى هو معصوم من الخطأ فقد زاد الخلفاء الراشدون على السنة النبوية في الاعتراف للرعية بحقها في محاسبة الحاكم ومراجعته على السلطة العامة وعلى المال العام وهذا واضحٌ من خطبتى استهلال الحكم من «أبى بكرٍ، وعمر» بطلب التقويم والنصيحة، وما سيرة عمر مع الرجل الذى حاسبه على طول حُلّته حيث طلب عمر من الناس السمع والطاعة فرد رجلٌ من العامة: «لا سمع ولا طاعة حتى نعرف من أين لك هذا الثوب» فأجابه عمر بأنه أخذ جزءاً من ثوب إبنه، عندئذٍ قبل الرجل صدق عمر وقال: الآن السمع والطاعة» [84]  والعبرة من هذه الواقعة هى أن «العقد الاجتماعى» بين الحاكم والرعية هو: «الطاعة من قِبل الرعية مقابل المحاسبة على السلطة والمال العام من قِبَل الحاكم» [85] .

وننوه هنا إلى أنه بالنظر إلى «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» [86] ، نجد أن «الحقوق الطبيعية التى أمر الله بها في قرآنه الكريم للملأ كافةً» تسبق كل هذه الحقوق وتشملها.

6 ـ الأسباب الضرورية لفرض الديموقراطية وآليات «الفصل بين السلطات» لتفعيل «المواد الدستورية”

مما سبق من هذه المقالة يمكن القول بأن في محتوى «القرآن الكريم» أقدم وثيقة متكاملة عن «حقوق الانسان الطبيعية» وُجِدت على الأرض، وقد أشارت «سورة آل عمران، الآية 7» إلى ضرورة «جمع هذه الآيات المُحكمات» والنظر في «المجموع كله باعتباره وحدة واحدة لا تتجزأ» حيث يبين هذا المجموع «أم الكتاب» الذى يقوم بوظيفته «الدستورية» في ضبط «التشريع والحكم في ما ليس فيه نصٌّ مباشر» وضبط تفسير المتشابه من النصوص.

وهذا يعيدنا إلى استرجاع المناقشة التى تم تقديمها في «البند الرابع» عن كيفية فرض نفاذ الاحترام لهذه الحقوق بينما النص لم يُكتَب فيه «الجزاء المادى على المخالفين»، من المُعتاد أن تُصدِر «السلطة العامة» «القوانين» التى تحفظ هذه «الحقوق الدستورية الطبيعية» ويتم النص على العقوبات المادية على من يعتدى عليها، ولكن المشكلة تنشأ إذا كان انتهاك هذه «الحقوق الدستورية» مصدره «سلطة الحكم» أو «أحد فروعها» خاصةً إذا كانت هذه «السلطة العامة» هى التى تضع الثغرات بنفسها في «التشريعات» التى تصدرها بما يسمح لها بانتهاك هذه «الحقوق الدستورية» و«الإفلات من العقاب»، وتظل هذه المشكلة نفسها تؤرِّق المسلمين وكذلك تؤرِّق عامة البشر.

فى المنظور الإسلامى:

«كان للتشريع في عهد الرسول مصدران: الوحى الإلهى، واجتهاد الرسول نفسه، فإذا طرأ ما يقتضى تشريعاٌ من خصومةٍ أو واقعة أو سؤالٍ أو استفتاء أوحى الله إلى رسوله بآيةٍ أو آيات فيها حكم ما أُريد معرفة حكمه؛ وبلَّغ الرسول المسلمين ما أوحى إليه، وكان قانوناً واجباً اتباعه، وإذا طرأ ما يقتضى تشريعاً ولم يوح الله إلى الرسول بآياتٍ تبين الحكم اجتهد الرسول في تعرفه الحكم، وما أداه إليه اجتهاده قُضِىَ به أو أفتى أو أجاب عن السؤال أو الاستفتاء وكان ما صدر عن اجتهاده قانوناً واجباً اتباعه مع قانون الوحى الإلهى» [87] ، وهذا ما كان عليه عهد الخلفاء الراشدون «أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى» [88] ، وننوه هنا أن الرسول الكريم وخلفاءَه الراشدين قد علموا أن هذه «الآيات المُحكمات» التى تبين «حقوق الانسان الطبيعية» هى «قواعد آمرة» لابد من نفاذها و«اعتبروا اتباعها من الفروض» كما هو ثابت في سيرتهم العطرة وباعتراف وتقدير الجميع ولم يدِّع أحدٌ من «الخلفاء الراشدين» أنها «آيات الأخلاق الكريمة» أو «السنن المُكمِّلة» من «اتبعها استحق الثواب ومن انصرف عنها فلا جزاء عليه» فكانت النتيجة هى «سنة الخلفاء الراشدين في الحكم والادارة».

ونذكر في ذلك ما قاله الدكتور مصطفى الفقى خلال كلمته في الملتقى الثقافى الذى عُقِد في وزارة الأوقاف تحت عنوان «الإسلام في الفكر السياسى المعاصر» في أبريل 2007م، وركز سيادته في مداخلته على أن «الإسلام هو الدين الوحيد الذى يملك نظرية سياسية متكاملة، والدليل على ذلك أنه الدين الوحيد الذى نادى بمبدأ الشورى ورسخ مبدأ الديموقراطية لأول مرةٍ في التاريخ الإنسانى، كما احتوت النظرية السياسية كل الأبعاد التى يُمكن أن ننطلق منها».

وأضاف في موضعٍ آخر «عندما جاءت مناقشة تعديل المادة الثانية من الدستور لم نجد ديناً أشمل من الإسلام لنعتبره مرجعاً، والدليل أن مادة الشريعة الإسلامية تُدرَّس في كل كليات الحقوق في العالم، وأن نابليون بونابارت استلهم الشريعة الإسلامية واقتبس منها في قانونه بعد أن عاش بين علماء مصر».

وأضاف «إن النبى ﷺ حارب وفاوض وأجل واستعجل حتى وضعه التاريخ على رأس أخطر الساسة في العالم، وأكبر دليلٍ على ذلك ما كان يوم فتح مكة، وما أصاب الدول الإسلامية من سوءٍ لم يأت إلا مع بداية حكم معاوية الذى حول الحكم الإسلامى إلى حكم ملكى وورَّث الخلافة لابنه»[89] .

وهذا يدعونا إلى استدعاء كلمات «بن خلدون» في مقدمة هذه المقالة عن العلاقة بين الحاكم والشعب وحق التشريع في المجتمع حيث سار هذا الموضوع في عدة أطوار: أولها «المُلك الطبيعى» حيث لا يوجد قانون في الدولة والحاكم يفعل ما يشاء (مثل الفراعنة)، ثم تقدَّمت الدولة إلى الأفضل وهو «المُلك السياسى» حيث يوجد قانون مكتوب في الدولة ولكن يكتبه الحاكم ولا يُطبَّق عليه (مثل كسرى وقيصر)، وأخيراً «الخلافة» وهى وجود قانون في الدولة يتم تطبيقه على الكافة بما فيهم الحاكم [90] ، مثل ما كانت عليه دولة المدينة المنوَّرة في عهد الرسول الكريم وخلفائه الراشدين، وعن كيفية التحول من الخلافة إلى المٌلك السياسى نختم بالإشارة إلى تحليل ابن خلدون في طبيعة تحول «الخلافة» إلى «المُلك» الأمر الذى يتضح من «التغير في الوازع»: حيث «الملك» تقتضى «طبيعته الانفراد واستئثار الواحد به، وغلبة الوازع الدنيوى على الوازع الدينى الذى كان يميز الخلافة» [91] ، [92] ، ثم يذكر ابن خلدون كيف «ذهبت معانى الخلافة ولم يبق إلا إسمها وصار الأمر ملكاً بحتاً، وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها واستعملت في أغراضها من القهر والتقلب في الشهوات والملذات» [93] ، وهذا بيانٌ للفرق بين الخلافة والملك وكيف يتم التحول إلى الأخير [94] ، [95] .

«الحفاظ على هذه الحقوق والحريات الأساسية» التى تم النص عليها في «آياتٍ مُحكمات» من القرآن الكريم هى «فريضة شرعية واجبة»، وهذا ينقلنا إلى البحث في كيفية فرض الالتزام بما فيها وهى شاقة على الحكام وأعوانهم ممن يمارسون السلطة المطلقة دون حساب منذ أن قام معاوية بن أبى سفيان باسقاط دولة الخلافة الراشدة وإقامة «المُلك العضود» بديلاً عنها في ما يُعرف بإسم «أحداث الفتنة الكبرى» عام 40 هجرية حتى اعتاد «حكام البلاد الإسلامية» على الاعتداء حقوق وحريات المواطنين وعلى المال العام دون محاسبة مما ينقلنا إلى ضرورة البحث عن كيفية كبح جماح «الحاكم المتغلب» من «أئمة المُلك العضود والمُلك الجبرى» حتى يكف يده عن الاعتداء على الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في «الآياتٍ المُحكمات من القرآن الكريم»، وهذا يدعونا إلى استدعاء التجربة البشرية العامة في كيفية «فرض الالتزام باحترام الحقوق الدستورية للمواطنين» على من ينتهكها من «الحكام» حيث كتب الدكتور يحى الجمل عن هذا الموضوع في جريدة المصرى اليوم القاهرية تحت عنوان «لماذا توضع الدساتير؟»، وخلاصة ما جاء في المقالة هو الآتى [96] ، [97] :

«ظاهرة وجود الدساتير في الدولة هي ظاهرة حديثة نسبياً لا يتعدي عمرها قرنين وبضعة عقود، وعلي مدار قرون طويلة ومنذ فجر التاريخ كانت السلطة في يد الرؤساء والأمراء والملوك سلطة شخصية ومطلقة، «كانت السلطة وكأنها ملك شخصي للملوك والرؤساء يتصرفون فيها كما يشاءون، لا تقف أمامهم قاعدة من قانون، وكذلك كانت أموال الدولة مختلطة بأموال الحاكم الشخصية لا تمايز بينهما، كانت الدولة تختلط بشخص الحاكم ملكاً أو رئيساً أو خليفة، وظلت تلك هي القاعدة في الشرق وفي الغرب طوال الأزمنة القديمة»، حقاً كانت هناك لحظات استثنائية عابرة في تاريخ البشرية، يجري فيها حديث عن العدل أو عن النظام الجمهوري أو عن الديمقراطية، حدث ذلك في مدن الإغريق وفي بعض فترات روما ولسنوات قليلة ومحدودة في صدر الإسلام، ولكن القاعدة العامة كانت هي السلطة الشخصية المطلقة، وظل الأمر كذلك إلى أن وصلنا إلي مشارف القرن الثامن عشر الميلادى.

وكانت العوامل الثلاثة الحاسمة في انتقال البشرية من السلطة المطلقة إلي السلطة المقيدة هي التطور البطيء الذي شاهدته المملكة المتحدة «بريطانيا»، ثم استقلال الولايات الأمريكية عن الاستعمار البريطاني ووضع أول دستور مكتوب في الأزمنة الحديثة عام ١٧٨٦م، وقيام الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩م.

وإذا كان العاملان الأول والثاني محليين إلى حد كبير فإن الثورة الفرنسية كانت أشبه بإعصار هز البشرية كلها، ونقل السلطة المطلقة إلي سلطة مقيدة يحكمها القانون، وبدأت البشرية تعرف ظاهرة الدساتير».

وفى موضعٍ آخر يبين «وإذا كانت السلطة ضرورة من ضرورات المجتمع المنظم، والدولة، فإن هذه الضرورة في الدولة الحديثة تقدر بقدرها ومدي لزومها، إن السلطة ليست غاية في ذاتها وليست متعة يتمتع بها الحاكمون وليست وسيلة لقهر الشعوب وإنما هي ضرورة من أجل انتظام سير المجتمع ذاته، ومن هنا فإن أي انحراف بالسلطة نحو الوضع القديم، السلطة الشخصية أو المستبدة التي تعيش خارج حدود القانون، يعتبر ارتداداً عن المبادئ الدستورية، هذه المبادئ الدستورية التي يقول كثيرون من فقهاء القانون إنها تعلو فوق الدستور المكتوب نفسه وتقيده، وقد اتجهت المحكمة الدستورية العليا عندنا في بعض أحكامها إلي ما يؤيد هذا الاتجاه السليم.

ولعل هذه الوجهة من النظر هي ما دفعت فقيهاً فرنسياً كبيراً إلى أن يقول هناك بلاد فيها دستور، وهناك بلاد دستورية» [98] .

وهكذا، فإن مقالة الدكتور يحيى الجمل قد أشارت إلى الأمور الآساس الآتية:

السلطة ضرورة من ضرورات المجتمع المنظم، كانت السلطة وكأنها ملك شخصي للملوك والرؤساء يتصرفون فيها كما يشاءون، لا تقف أمامهم قاعدة من قانون، وكذلك كانت أموال الدولة مختلطة بأموال الحاكم الشخصية لا تمايز بينهما، كانت الدولة تختلط بشخص الحاكم ملكاً أو رئيساً أو خليفة، وظلت تلك هي القاعدة في الشرق وفي الغرب طوال الأزمنة القديمة. كانت هناك لحظات استثنائية عابرة في تاريخ البشرية، ومنها سنوات قليلة ومحدودة في صدر الإسلام. انتقلت البشرية من السلطة المطلقة إلي السلطة المقيدة للحكام من خلال وضع دساتير مكتوبة تقيد سلطة الحكام المطلقة. هناك بلاد فيها دستور (مكتوب) لا يتقيد بأحكامه ومبادئه الحكام، وهناك بلاد دستورية حيث يخضع الحاكم للقانون والدستور المكتوب.

          والسؤال الرئيس هو: كيفية تفعيل «وثيقة الدستور» وفرض التزام الحكام وأصحاب السلطة في الدولة وأولهم الرئيس بالخضوع للقانون وتطبيق أحكامه عليهم بالتساوى مع كافة المواطنين دون تمييز حتى تكون الدولة «دولة خلافة كما يقول ابن خلدون» أو «دولة دستورية كما يقول الدكتور يحى الجمل» أو «الدولة القانونية كما يقول الدكتور منير البياتي في اصطلاحات أخرى»، وأن مخالفة الدستور تأتى في الأساس من أصحاب السلطة لأنهم يريدون سلطات مطلقة أو غير مُقَيَّدة، ولا يريدون أن يخضعوا للقانون والمساءلة القانونية بالتساوى مع أى مواطن في الدولة.

وللاجابة على هذا السؤال نستدعى ما سبق كتابته في البند الرابع من هذه المقالة عن وجود جزاء مادى مؤثر ولكن له طبيعته الخاصة يحمى الدستور: «و في إطار المخالفة الدستورية فإن رقابة الدستورية كفيل بإنزال الجزاء على هذه المخالفة سواء كانت رقابة امتناع أم رقابة إلغاء، ففى النهاية فإن منتج المخالفة للقاعدة الدستورية يُحكم عليه بالبطلان وهذا أبشع جزاء في مواجهة العمل غير الدستورى، وقد يطيح بالسلطة التى ارتكبته، وفى رأينا فإن هذا أشد من الجزاء بمعناه التقليدى كإجراء مادى، وعليه نؤكد رأينا في اعتبار قواعد القانون الدستورى قواعد قانونية طالما بقيت معبرة عن الاتجاهات السياسية والاجتماعية وغيرها للمجتمع القائمة فيه وحيث يقف الرأى العام حارساً عليها وسياجاً لها من كل عدوان عليها والذود عنها» [99] .

المحكمة الدستورية والرأى العام الذى يقف «حارساً عليها وسياجاً لها من كل عدوان عليها والذود عنها» كما في الفقرة السابقة لا يمكن أن يمارس أعماله بسلام إلا إذا نص الدستور نفسه على نظام سياسى يسمح لعناصر تمثل هذا الشعب بالدور الرقابى اللازم لحماية الدستور بطرق قانونية منظَّمة، ولا يمكن ذلك إلا بالفصل بين السلطات الرئيسة في الدولة وتقسيمها إلى سلطاتٍ ثلاث كما استقرت عليه النظم السياسية والدستورية وهى: «التنفيذية، والتشريعية، والقضائية”، وأن يتم النص في القانون الدستورى على اختصاصات لكل سلطة في مراقبة السلطات الأخرى وعمل التوازن اللازم، حتى يتم تجريد رئيس الدولة من أى امكانية للانفراد بالسلطة، وهذا هو النظام الديموقراطى، حيث يكتمل النظام الدستورى بالنظام الديموقراطى، أى أن: «الديموقراطية» ضرورة لا غنى عنها لتنظيم وتفعيل «أدوات القهر المادى» لفرض «الالتزام بالحقوق الدستورية» على «رئيس الدولة والسلطة الحاكمة».

والخلاصة مما سبق من هذه المقالة هو أن: «تطبيق الشريعة الإسلامية» لا يقف عند تطبيق «آيات الأحكام» و«آيات الحدود» فقط (لأن هذا هو مستوى القانون لا يرتفع عنه)، بل لابد من الاستكمال بالالتزام «بمجموع الآيات الدستورية» اللاتى هن «أم الكتاب» وهذا ارتفاع بالتشريع إلى «المستوى الدستورى»، «الآيات الدستورية» هى «آيات مُحكمات مُلزِمة للكافة» بما فيهم رئيس الدولة وأعوانه في كل مستويات السلطة ورجال التشريع وكتابة القانون والقضاء، وفى هذا البند تم البيان بالصعوبات العملية التى تواجه فرض «الرقابة الدستورية» على من يملكون السلطة لأنه لا يمكن أن يعاقب أحدٌ من البشر نفسه إذا أخطأ، وأن الاجابة العملية لفرض «الرقابة الدستورية» وتصويب المخالفات الدستورية من خلال السلطة العامة في الدولة يستلزم عدم «جمع السلطات كلها في يدٍ واحدة» وهذا هو «مبدأ الفصل بين السلطات» والتطبيق الشائع له هو «الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية»، وهذا هو النظام الديموقراطى، حيث يكتمل النظام الدستورى بالنظام الديموقراطى.

والخلاصة مما سبق من هذا البند هو: ضرورة «فرض الديموقراطية» باعتبارها «ضرورة شرعية» حتى يمكن «تفعيل التزام الحكام بآيات المبادئ الدستورية» و«أم الكتاب» لاستكمال «فروض الدين الإسلامى»، لأنه ليس من السهل على «الحكام من عامة البشر» ممن ظهروا في بلاد المسلمين منذ أحداث «الفتنة الكبرى» عام 40 هجرية وحتى اليوم أن يجدوا في أنفسهم العزم اللازم للاحترام الكامل «للآيات المُحكمات» اللاتى هن «أم الكتاب» والتطبيق الكامل لصحيح «السنة النبوية في الحكم والادارة كما اتبع الخلفاء الراشدون» و«كمال احترام حقوق الانسان» باعتبار أن كل هذه الجوانب من «أصول الشريعة الإسلامية» وليست من «فروعها»، وبذلك تصبح الديموقراطية ضرورة شرعية على مبدأ «ما لا يكتمل الواجب إلا به فهو واجب».

7- مراجعة «الفقه» و«علم أصول الفقه» على مرجعية «أم الكتاب»

بالرجوع إلى ما سبق كتابته في الفقرات الثلاث الأولى من «البند الثالث» نجد تقديماً لمفهوم «الفقه» و«علم أصول الفقه» والعلاقة بينهما وعنصرى الرسالة الإلهية «القرآن والسنة النبوية» و«مفهوم التراث» وعناصره، ونستكمل بما يلى:

فى رأى أكثر العلماء ؛ يندرج «تاريخ الفقه الإسلامى» في المراحل الآتية [100] :

المرحلة الأولى: عصر النبوة، وهو عصر النص والشرح النبوى

المرحلة الثانية: عصر الخلفاء الراشدين، وهو عصر نقل النص وضبطه والاجتهاد في أهم الوقائع الحادثة

المرحلة الثالثة: العصر الذى يبدأ من نهاية عهد الخلفاء الراشدين وينتهى في أوائل القرن الثانى الهجرى

المرحلة الرابعة: وهى المرحلة التى تبدأ من سنة 101 هجرية وتنتهى بسنة 301 هجرية وهى الحقبة التى عاصرت الأئمة الأربعة، وفيها وُضعت أسس «علم أصول الفقه» بوساطة الإمام الشافعى بمؤلفه «الرسالة» [101]) وتأسس «الفقه على المذاهب الأربعة» (الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة)، وقد تمتد هذه المرحلة بوجود كبار الأئمة التابعين لهذه المذاهب بما قدموه حتى منتصف القرن الخامس الهجرى ولكنها في رأى الجميع تنتهى بسقوط بغداد في يد التتار الغزاة سنة 656 هجرية (عام 1258 ميلادية)، أو ينتهى الاجتهاد في أحسن الفروض مع نهاية القرن التاسع الهجرى.

المرحلة الأخيرة وتمتد حتى اليوم: بدأت بسقوط بغداد وتبقى مستمرة حتى يومنا هذا وتتميز بتوقف الاجتهاد وجمود الفقه واللجوء إلى التقليد والتمذهب الفقهى، ونستطيع أن نسميه «عصر التقليد».

لـقد أقام الامام الشافعى بناء «علم أصول الفقه» على حديث رسول الله ﷺ إلى معاذ بن جبل، حيث سأله الرسول قائلاً: «كيف تقضى إذا عرض عليك قضاء؟»، قال أقض بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟»، قال: فبسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد برأى ولا آلو، قال: فضرب رسول الله على صدره وقال: «الحمد لله الذى وفَّـق رسول رسول الله لما يرضى به رسول الله» [102] .

وعلى حديث سيدنا عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى عندما أرسله قاضياً في العراق حيث أوصاه «بالقياس» على «الأشباه والأمثال» مما قضى به السابقون من فتاوى وأحكام ثم أوصاه بأن يعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق [103] . ومن الحــديثين استنبط الامام الشافعى أن تكون «مصادر التشريع الإسلامى» هى بأسبقية الترتيب: «القرآن والسنة والاجماع والاجتهاد»، ووضع بعد ذلك مناهج وضوابط لاستنباط الأحكام من هذه المصادر.

المنهج المعتمد اليوم في القرن الواحد والعشرين للبحث عن الحكم الشرعى الصحيح والفتوى في مسألةٍ من «المسائل الفقهية» يبدأ بالبحث عن الحكم والفتوى في «القرآن الكريم»، فإن وُجِـد وجب اتباعه ؛ و«على هذا فآيات الأحكام المفسرة التى تدل على المُراد منها دلالةً واضحة (الآيات المُـحكمات)، ولا تحتمل تأويلاً يجب تطبيقها، ولا مجال للاجتهاد في الوقائع التى تُـطبيق فيها» [104] ، وباستدعاء ما سبق ذكره في البند الخامس عن إلحاق السنة النبوية المشرفة بالقرآن الكريم باعتبارها وحىٌ من الله إلى رسوله الكريم، عندئذٍ يمتد أثر هذه القاعدة ليشمل السنة النبوية وتصبح القاعدة الفقهية الأساسية هى: «لا اجتهاد مع نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة النبوية المشرفة» وبذلك يصبح «مجال الاجتهاد أمران»: ما لا نص فيه أصلاً، وما فيه نصٌّ غير قطعى» [105] ، ويـكون الاجتهاد مصدره: إما «الاجماع» إن اجتمع الفقهاء على حكمٍ مُعَيَّن في مثل هذه الواقعة أو «بالقياس على الأشباه والأمثال من الوقائع» التى صدرت فيها أحكام نراها حسنة [106]  وهى على الأغلب أحكام منقولة عن أحد الصحابة أو التابعين أو تابعى التابعين والأئمة ولكلٍّ منهم درجة وأعلاهم الصحابة المقربون «أبو بكر وعمر وعثمان وعلى» وهنا يقتصر عمل القاضى والمفتى على إثبات وجود التشابه والتماثل بين الواقعة التى بين يديه وتلك التى صدر بشأنها الحكم مُجمَعاً عليه أو صدر حكمٌ يريد أن يحاكيه بالتقليد للسابقين من الأئمة ثم يقدِّم أسباب ترجيحه الأخذ بأحدٍ من هذه الأحكام على غيره، وهذا يحتاج إلى سوابق قضائية ومكـتـبة للأحكام والفتاوى المنقولة عن أئمة القضاء والفتوى للمقارنة بينها وبين تلك المسائل الفقهية المعاصرة».

من الفقرة السابقة يتضح أن السبب في دوران «الفقه في حالته الراهنة» في فلك التراث هو «علم أصول الفقه في حالته المعاصرة» لأنه إذا لم يوجد «نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة النبوية» بحيث ينطبق «حكم النص» على «الواقعة» لم يعد أمامنا إلا منهج «القياس على الأشباه والأمثال» وهذا يحتاج إلى وجود «وقائع سبق الحكم فيها في التراث» و«إثبات التشابه والتماثل» بينها وبين «الواقعة المعاصرة موضوع البحث» حتى يمكن اقتباس حكمها، وهذا يقتضى النظر الدائم في التراث ومحاكات أحكامه، ويجب أن نلاحظ هنا أنه لا توجد «قاعدة فقهية عامة مجردة» تضبط استنباط الأحكام والتشريع في «ما ليس فيه نص، وما ليس له أشباهٌ وأمثال» وهذا هو الدور الذى أدى إلى إضافة «القانون الدستورى» إلى «النظم التشريعية» التى كانت قبل إصدار أول دستور عرفته البشرية عام 1776م.

فروع الفقه الرئيسة هى: «العقيدة والشريعة والعبادات»، ولا مجال للاجتهاد في «فقه العقيدة والعبادات» لأنهما من أمور الغيب وأساسهما الإيمان والتسليم بما تعنيه النصوص في «القرآن والسنة» عن «العقيدة والعبادات»، وفى ذلك نذكر ما كتب الشيخ عبد الوهاب خلاف:

«ومن استقراء آيات الأحكام في القرآن يتبين أن أحكامه تفصيلية في العبادات وما يلحق بها من الأحوال الشخصية والمواريث لأن أكثر أحكام هذا النوع تعبدى ولا مجال للعقل فيه ولا يتطور بتطور البيئات، وأما فيما عدا العبادات والأحوال الشخصية من الأحكام المدنية والجنائية والدستورية والدولية والاقتصادية، فأحكامه فيها قواعد عامة ومبادئ أساسية، ولم يتعرض فيها لتفصيلات جزئية إلا في النادر، لأن هذه الأحكام تتطور بتطور البيئات والمصالح، فاقتصر القرآن فيها على القواعد العامة والمبادئ الأساسية ليكون ولاة الأمور في كل عصرٍ في سعةٍ من أن يفصلوا قوانينهم فيها حسب مصالحهم في حدود أسس القرآن من غير اصطدام بحكم جزئى فيه» [107] .

وعلى ذلك نجد أن الاجتهاد في «العقيدة والعبادات، وما يلحق بها من الأحوال الشخصية والمواريث»، وأى موضوعات تلحق بهم في ذات الصفة أى أن تكون: «تعبدية ولا مجال للعقل فيها ولا تتطور بتطور البيئات» فإن «الاجتهاد بالقياس على الأشباه والأمثال» لا يزال منهاجاً فعالاً حتى اليوم في القرن الواحد والعشرين لأن «الوقائع التى سبق الحكم فيها في التراث» و«إثبات التشابه والتماثل» بينها وبين «الواقعة المعاصرة موضوع البحث» لا يزال «متكرراً» لأن الوقائع في مثل هذه الأمور «لا يتطور بتطور البيئات» وبذلك يمكن اقتباس الحكم من التراث، وإذا استدعينا إلى علمنا أن «الاجتهاد الفقهى» قد توقف منذ «القرن الخامس عشر الميلادى» أى قبل عام 1776م إذن لأدركنا أن أكثر الموضوعات التى يواجهها «المُشَرِّع والقاضى والمفتى» من معاملات وأمور في «الحياة العصرية» في «القرن الواحد والعشرين» لا يوجد لها «أشباه ولا أمثال» في «التراث الفقهى الإسلامى حتى يمكن القياس عليها» مما تسبب في المشكلة المشهورة بإسم «التراث والمعاصرة» ومحلها في موضوعات «الشريعة» وليس «العقيدة الإسلامية ولا العبادات»، وربما تسبب في أن الكثير من «المستجدات من الأمور والمعاملات العصرية» يتم إدراجها في بند «الأمور المسكوت عنها» وترك الاجتهاد فيها «بلا إطار من المبادئ التشريعية العامة المجردة» مما جعلها مثاراً للجدل.

استكمالاً لموضوع البند السابق، فإنه يوجد في «علم أصول الفقه» الذى نرثه عن «فترة الاجتهاد» التى انتهت بنهاية القرن الخامس عشر الميلادى «أصول عامة في استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية وفقاً لمناهج التفسير في ضوء التطبيقات المتنوعة للقضاء والافتاء، وقواعد فقهية في إثبات المسائل وتفهمها» [108] ؛ وهى «أصول عامة» و«قواعد فقهية» تكمل تطبيق النصوص القانونية مثل «دفع الضرر مقدَّم على جلب المنافع» و«الضرورة تقدَّر بقدرها» و«التعويض بقدر الضرر» و«الأمور بمقاصدها»، وهى «مبادئ عامة مستقرة في كل التطبيقات القانونية الوضعية والشرعية»، ولكنها لا تُنشئ حقوقاً ولا واجبات غير موجودة من الأصل في «النصوص القانونية» وفى أعراف «الفقه والقانون» أو تتعارض معها، وعلى ذلك فإن هذه القواعد في جميع الأحوال لا تضع قيوداً ولا حدوداً تشريعية على «النظام القضائى والافتاء» مثل تلك القيود التى تضعها «الدساتير» في الموضوعات التى: «لا يوجد في حكمها نص قانونى، ولا يوجد لها وقائع شبيهةٌ ولا مثيلة في السوابق القضائية» [109] ، وبذلك أصبحت المشكلة فوق مستوى التطبيقات القانونية التى يباشرها «القاضى الشرعى والمفتى» وهذا ما دفع الدولة العثمانية إلى إصدار أول قانون وضعى (مجلة الأحكام العدلية) الصادر الأمر بالعمل به عام «1292 هجرية – 1875 ميلادية» لتنظيم «المعاملات المدنية» المُحدِثَـة والتى لا يمكن أن يتفادى المسلمون أو الدولة التعامل فيها [110] ، ثم تبعتها الدول العربية والإسلامية بما فيها مصر [111] ، وأصبح الموضوع الرئيس في الاجتهاد الفقهى هو البحث اليوم عن كيفية «إصدار هذه القوانين الوضعية، وإصدار أحكام القضاء والفتوى، وتأويل النصوص التشريعية» في «المعاملات التى تتطور بتطور البيئات والمصالح» بما «لا يتعارض مع ثوابت الدين الإسلامى ويحقق مقاصد التشريع».

وكما جاء في البند الثالث من هذه المقالة فإن «الفقه» و«علم أصول الفقه» من أعمال البشر ولابد من تحديثهما ومراجعتهما دورياًّ للاستفادة من المستجدات في مناهج البحث والعلوم التى تتكشف يوماً بعد يوم للمعارف البشرية، وحيث إن العلماء قد توقفوا عن التجديد واتجهوا للتقليد منذ خمسة قرون استجدت فيها معارف شديدة التأثير على «الفقه» وعلم أصول الفقه» نذكر منها ظهور الدساتير المكتوبة منذ عام 1776م وأنها أصبحت الأساس للنظام القانونى والتشريعى في أى دولة حديثة ولم يعد هناك أى نظام تشريعى معاصر يقف عند مستوى القوانين مما يدعونا إلى التساؤل عن المواد الدستورية في آيات القرآن الكريم حتى لا نترك الاجتهاد في ما ليس فيه «نص قطعى من القرآن والسنة» ومن المعاملات ما ليس لها «أشباهٌ ولا أمثال» قد حكم في أمرها السلف الصالح «لضمير الإمام المجتهد والمجالس العامة لعلماء المسلمين» لإصدار الأحكام والقوانين بما «لا يتعارض مع ثوابت الدين الإسلامى ويحقق مقاصد التشريع»، لقد كُتِبت الدساتير من أجل ذلك، فكيف نتجاهل «أم الكتاب» ودورها التشريعى الذى أمرنا الله به في «سورة آل عمران، الآية 7» [112]  ونعانى كل هذه المعاناة في مواجهة «المعاملات المعاصرة».

«الدساتير» و«المبادئ الدستورية» أكثر ثباتاً وبقاءً من «القوانين» و«القواعد القانونية»، وكذلك «القواعد التنظيمية المجردة» في القوانين أكثر بقاءً من «الجزاءات» المذكورة على المخالفين فمثلاً تحريم «السرقة والقتل والسطو على الأعراض؛ إلى آخر الكبائر» هو من ثوابت النظم التشريعية السماوية والوضعية منذ نزل آدم إلى الأرض لأنها ضرورة للسلم والتوافق المجتمعى أينما وُجد البشر، حيث «الحرام والحلال» في «الشريعة الإسلامية» هو كذلك في «كل الشرائع السماوية» وفى «كل القوانين الوضعية»، وعلى ذلك فإنه عندما نذكر أن «الشريعة الإسلامية الخاتمة لكل الرسالات» قد أرسلها الله ليتبعها البشر إلى «يوم القيامة» فإن «مبادئها الدستورية» و«القواعد الاجتماعية التنظيمية المجردة في آيات الأحكام والحدود» هى العناصر المعنية بالأساس عند القول بأن «الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان»، وعندما ننقل عن السلف الصالح أن «تطبيق الشريعة الإسلامية» يقتصر على «آيات الأحكام» و«الحدود» فإننا نكون قد أغفلنا «الجزء الأهم والأبقى» في «التشريع» الذى أرسله الله في «القرآن والسنة النبوية المشرفة» وهو «آيات المبادئ الدستورية» [113] ، مع ملاحظة أن «الشق التنظيمى المجرد من آيات التشريع للحلال والحرام» [114]  باقٍ وغير قابل للنقاش، أما «الجزء الخاص بالجزاء المادى» المذكور في «آيات الحدود» فمن الممكن أن يُعدَّل مع الزمان والبيئة الاجتماعية على ألا يؤدى إلى أى خروج عن الحدود التنظيمية المطلوبة في «القاعدة القانونية» ويحقق القصد من «الجزاء المادى» بطريقة أكثر توافقاً وإقناعاً لدى البيئة الاجتماعية ليعطى الأثر في ضبط سلوك الأفراد ودوافعهم في المجتمع.

شاءت إرادة الله ألا يبقى من كل الهدى الذى سبق إلا «نص القرآن الكريم» فقط وقد تعهَّد الله سبحانه وتعالى بحفظه باقياً إلى يوم القيامة [115]  وذلك لسببين هما: أن القرآن الكريم «يهيمن على كل ما سبق من الهدى الإلهى بما في ذلك التوراة والانجيل» [116]  (سورة المائدة، آيات 44 – 48)، وثانياً أن «الآيات المحكمات التى يبين مجموعها أم الكتاب» تتواجد حيث ما وُجِدت المناسبة لذكرها وعلى المؤمنين جمعها والالتزام بكل ما فيها لا يسقطون آية منها وإلا تم خرق «الإطار التشريعى الدستورى»، وبالنظر إلى أن هذا «الإطار الدستورى» فيه الاجابة الشرعية على كل ما يلتبس على الإنسان إلى يوم القيامة وأنه لا يزال في القرآن من الهداية ما تظهر دلالاته إلى يوم القيامة [117] ، لهذين السببين شاءت إرادة الله «أن يتعهد المولى بحفظ نص القرآن لا يتبدَّل فيه حرفٌ واحد» إلى «يوم القيامة» وأن تندثر غيره من «النصوص السابقة من الرسالات الإلهية».

لكل ما سبق ندرك أن الله سبحانه وتعالى قد حَفِظَ القرآن ليبقى بين أيدينا لكى نعيد قراءته لنضبط دلالات النصوص المتشابهة منه بناءً على ما يستجد لدينا من المعارف ولنعرف حكمه في ما لم يأت فيه نص بناءً على الإطار الذى يبينه «مجموع الآيات المُحكمات»، وعلى ذلك فإن الركون إلى عصر التقليد خطأٌ جسيم يجب أن يكف عنه المسلمون، وكذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:17]، مما يعنى أن الاجتهاد حقٌّ لكل البشر على أساس التمسك بالمنطق العلمى السليم في استنباط الدلالات على مبدأ: «العلم بمنهاجه وليس بقائله» كما هو في كل العلوم.

وكما تم كتابته في نهاية المقدمة فإن استحداث «كتابة الدساتير» وإضافتها على «النظام التشريعى للدولة» لم يؤدى إلى نقض شيءٍ مما كان يسبق الدساتير بل جاءت الدساتير لتكمل وتضبط الفقه القانونى الذى كان يسبقها وكذلك يكون الدور المأمول الناتج عن إضافة «أم الكتاب» بما تحتويه من «آيات المبادئ الدستورية» وهو أن تكمل وتضبط «الفقه» و«علم أصول الفقه» ببيانها «إطاراً من المبادئ التشريعية العامة المجردة» يضبط «الاجتهاد في ما ليس فيه نص قطعى».

8 ـ المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية

يكمل تحقيق «القاعدة القانونية» معرفة «المقاصد التشريعية» من وراء إصدارها، وعلى ذلك يكمل «العمل بالإطار التشريعى العام للمعاملات الإسلامية» أن نبين «المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية» [118]  فهى كما هو متواتر في كتب الفقه هى «حفظ الكليات الخمس»: «حفظ النفس (حق الانسان في الحياة)، والعقل (حق الانسان في حرية الفكر)، والدين (الحق في حرية الاعتقاد)، والنسل، والمال»، ومنها تتفرع المقاصد في المعاملات والموضوعات الجزئية، وقد يتغير الترتيب بدعـوى الاختلاف على الأولويات، ولكنها متكاملة ولا يمكن اسقاط أحدٍ منها، وهى تتشابه إلى حدٍّ كبير مع «الحقوق الطبيعية» التى نادى بها «جون لوك (1632 – 1704 م)» التى هى حقوق: «الحياة (حفظ النفس)، والحرية (حفظ العقل والدين)، والملكية(حفظ المال)» [119] ، وهى الأساس للثورة المجيدة في انجلترا، وحفظ هذه الحقوق كان الأساس لنظرية «العقد الاجتماعى» لكاتبها «جان جاك روسو (1712 – 1778)»، و«لا يوجد «دستور مكتوب»، ولا «أعراف دستورية»، ولا «فقه دستورى» إلا ويعتبر أن «الحقوق الطبيعية» هى «حقوق دستورية طبيعية» استحقها البشر يوم خلقهم الله، وأنها تسبق كل «الحقوق المنصوص عليها في وثيقة الدستور» حتى ولو لم تُكتب فيها، فهى «حقوق طبيعية خلقها الله للبشر جميعاً» قبل أن توجد الدول والحكومات، وعندئذٍ يحب أن نذكر أن المسلمين لديهم وثيقة تشريعية مكتوبة وهى «القرآن الكريم» تؤكد على هذه الحقوق، كما تم بيانها في «البند الخامس» من هذه المقالة.

«مقاصد الشريعة الكلية الخمسة» وهى: «حفظ النفس والعقل والدين والعِرض (كرامة الإنسان) والمال (الملكية الخاصة)»، يطلق عليها أيضاً «مقاصد المكلَّفين» في الفقه المنقول، وتمثل ما يُمكن أن يُطلق عليه «النظام العام والآداب» [120] ، من «مقاصد الشريعة الكلية الخمسة» تتفرَّع كل مقاصد التشريع التى تهدف إلى الحفاظ على المجتمع وتنميته، وكذلك يتفرَّع منها كل الأخلاق الحميدة التى تحفظ حُسن السلوك والسلم والأمن المجتمعى.

الإضافة التى تقدمها هذه المقالة هو أنها تثبت أن كثيراً من «آيات الأحكام الأخلاقية» مفهومها الصحيح هو أنها «آيات بالمبادئ الدستورية» وتنقلها من «الأخلاق» إلى «الشريعة»، حيث يُـعد اتباع «القواعد الأخلاقية» اختياراً يستحق فاعلها أن يأخذ الثواب وتاركها لا عقاب عليه بينما «الشريعة» مُلزِمة وتاركها عليه جزاءٌ مادى، كل مادة من «مواد القانون الدستورى» لا يوجد في نصها جزاءٌ مادى على من يخرقها ولكن في «مجموع مواد القانون الدستورى» «إطارٌ مُحكم من المبادئ التشريعة» يمكن إثبات خرقه إذا حدث، ولو لم يكن مُحكماً لما أمكن إثبات «الخرق»، هذا المجموع يبين «الحقوق والحريات الأساسية» و«المبادئ التشريعية العامة» التى تتقيد «السلطة العامة في الدولة» باحترامها عند «ممارسة سلطة الحكم والادارة» وكذلك عند «كتابة القوانين» التى «تنظِّم المعاملات».

9 ـ الخلاصة

«القرآن الكريم» هو رسالة الله الخاتمة، وقد تعهد الله بحفظ نصها إلى يوم القيامة [121] ، وبالتالى «كل آيات القرآن الكريم قطعية النص»، أما في «موضوع الدلالة» فإن «سورة آل عمران، الآية 7» تبين أن «آيات القرآن الكريم» منها «آياتٌ مُحكمات» أى «قطعية الدلالة» أيضاً وأُخر «متشابهات» أى «تحتمل أكثر من معنى وبالتالى تحتاج إلى تأويل المعنى واختيار الأقرب إلى الصواب»، من ثوابت «الفقه» و«علم أصول الفقه» أنه «لا اجتهاد مع نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة النبوية المشرفة»، وبالتالى فإن كل آيةٍ من «الآيات المُحكمات» تقوم «بذاتها منفردةً» ببيان «أحد الثوابت الإسلامية»، ولكن «سورة آل عمران، الآية 7» التى هى نفسها «آيةٌ مُحكمة» تبين أن «مجموع الآيات المُحكمات» له دلالته الخاصة بالاضافة للدلالة التى تبينها كل «آيةٍ مُحكمةٍ منفردة» حيث يقوم «مجموع الآيات المُحكمات» بدور «أم الكتاب» الذى يقدِّم «إطاراً مرجعياً لتفسير الآيات المتشابهات» و«إطاراً دستورياً قانونياً لضبط التشريع القانونى المُلزِم» في «مجالات الاجتهاد» التى هى «ما لا نص فيه أصلاً، وما فيه نصٌّ غير قطعى» [122] ، وبذلك يبين «نص القرآن الكريم» مستويين للتشريع هما:

المستوى القانونى: وفيه تحتوى النصوص على «خصائص القاعدة القانونية الثلاثة»: «أنها قاعدة عامة، تنظِّم السلوك الاجتماعى، أنها قاعدة مُلزِمة حيث يتم النص على جزاء مادى يتم توقيعة على المخالفين».

المستوى الدستورى: وفيه تحتوى النصوص على «إثنين فقط» من «خصائص القاعدة القانونية» وهما: «أنها قاعدة عامة، تنظِّم السلوك الاجتماعى»، بينما «لا توجد في النص أى جزاء مادى على المخالفين» متماثلةً في ذلك مع نصوص «المبادئ الدستورية» في التشريعات الحديثة.

          «الآيات الدستورية» تحتوى على «القواعد الآمرة» باحترام «حقوق الانسان الأساسية» وهى في ذلك تخاطب «الحكام» و«القائمين على السلطات العامة في الدولة»، «الآيات الدستورية» من «أصول الدين» لأنها «آيات محكمات»، أما النظام السياسى فإنه من الفروع التى تتغير مع الزمان والمكان، في صدر الإسلام كانت النظم السياسية التى تعرفها البشرية بدائية ولذلك قام احترام حقوق الإنسان على ورع الخلفاء الراشدين دون وجود آلية لمعاقبة من ينتهك حقوق الإنسان من الحكام وعندما انقضى زمان الصحابة الأوائل وحل محلهم بشرٌ من العامة لا يقدرون على ضبط أنفسهم ظهرت الدولة الأموية وكل من جاء بعدها ولم تكن هناك أى معرفة لكيفية فرض المحاسبة على الحكام المخالفين، اليوم تقدمت البشرية وتوجد النظم الحديثة القائمه على «دستور مكتوب» و«الفصل بين السلطات وآليات المحاسبة للحكام المخالفين لفرض دولة القانون عليهم»، المسلمون في أشد الحاجة إلى «الديموقراطية وآلياتها» لاستعادة «آيات المبادئ الدستورية» في نظامهم التشريعى كما كانت في عهد الرسول الكريم وخلفائه الراشدين قبل أن يسقطها معاوية بن أبى سفيان من تطبيق الشريعة الإسلامية.

واقعة «الفتنة الكبرى» لم ينتهى أثرها عام 40 هجرية بالقضاء على الخلافة الراشدة من النظام السياسى في بلاد المسلمين ولكن أثرها على الفقه وعلم أصول الفقه لا يزال ممتداً حتى اليوم في القرن الواحد والعشرين حيث تم استبعاد «الآيات الدستورية» من «آيات التشريع المُلزِمة» مما جعل مفهوم «تطبيق الشريعة الإسلامية» يقتصر على «آيات الأحكام» و«الحدود» كما هو مستقر في «علم أصول الفقه» و«القضاء الشرعى» حتى اليوم، بينما الصحيح هو أن تطبيق الشريعة الإسلامية في الأساس «احترام دستورية مجموع الآيات المُحكمات» باعتبار أن المجموع وحدة واحدة لا تتجزأ ولا تسقط منه آيةٌ واحدة وإلا تم خرق الدستور وهذا هو المقصود من «أم الكتاب» حيث تبين إطاراً مُحكماً من مبادئ حقوق الانسان الأساسية يُـلزَم بما فيها الحكام وأصحاب السلطة العامة والقائمين على القضاء عند تفسير النصوص القائمة أو في ما يستجد من التشريع في «مستوى القوانين» في المسائل التى فيها «نصوص متشابهة أو ليس فيها نص» وبذلك لا يوجد مسألة من أمور الحياة ومستجداتها ليس فيها «حكمٌ» إلى يوم القيامة، ليس لأن آيات الأحكام فيها كل ذلك ولكن لأن «الآيات الدستورية المُلزِمة» هى «الأصل في الشريعة الإسلامية» وتسبق في أصوليتها «آيات الأحكام» و«الحدود» وتهيمن عليها في التفسير والتطبيق الشرعى.

وبالنظر إلى أنه لا يمكن إنكار «القواعد الآمرة» التى في «الآيات الدستورية» لأنها «آياتٌ مُحكمات» تم اعتبارها «أوامر أخلاقية»، والفارق جوهرى حيث «القواعد التشريعية» مُلزِمة وترعى السلطة العامة السبل المناسبة لفرض هذا الالتزام بينما «القواعد الأخلاقية» اختيارية يتبعها أصحاب الفضيلة اختياراً وفضلاً، ومع ذلك فإن الصلة ليست مقطوعة لأن الأصل هو أن تكون «الآيات المُحكمات اللاتى هن أم الكتاب»: هى «آيات دستورية قانونية» القصد منها «التشريع القانونى لتنظيم السلوك الاجتماعى» للانسان بقوة القانون حفاظاً على العدل والسلام في المجتمع، فإذا دخلت العقل واستقرَّت في القلب والضمير والوجدان أصبحت «دستوراً أخلاقياًّ ذاتياً» يرتقى بالإنسان إلى مرتبة الصحابة المقرَّبين حيث تزكية نفوس البشر هى القصد من الأديان حتى ينتقى الله منهم أهل الجنة، وعلى ذلك لا يوجد تناقض بل يوجد تآزر بين القول بأن «مجموع الآيات المُحكمات» هى «آيات دستورية تشريعية» لتنظيم سلوك عامة البشر بقوة القانون لأن القانون الإلهى أساسه «العدل والرحمة وإفشاء السلام» في الكون كله أو أن تكون «آيات للدستور الأخلاقى» بقوة الضمير، وصدق الله العظيم أن يصف الرسول الكريم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4]

===========================

المراجع

[1] «مقدمة ابن خلدون» ص 187.

[2] «الأستاذ بيردو» وقد أسار إليه الدكتور ثروت بدوى في كتابه «النظم السياسية ص 15»

[3] النظام السياسي الإسلامي مقارناً بالدولة القانونية: دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة، تأليف: أ.د. منير حميد البياتي، دار النفائس للنشـر والتوزيع، الأردن- عمان، الطبعة الرابعة (1434=2013م).ص9.

[4] دكتورة/ حورية توفيق مجاهد، «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده »، مكتبة الأنجلوالمصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999م ص281، 282.

[5] « فقه السنة»، الشيخ سيد سابق، المجلد الأول (الجزء الأول)، دار الريان للتراث (مكتبة الخدمات الحديثة)، القاهرة، 1988، ص 506.

[6] «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشـرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

[7] «الشريعة الإسلامية في الحكم والإدارة، الأصول والإحياء»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشـرة – العدد الثانى والثلاثون، 1428هـ – 2007م.

[8] «الفاروق عمر»، محمد حسين هيكل، (الجزئين الأول والثانى)، (الطبعة الثامنة )، دار المعارف، القاهرة، 1986، (الجزء الثانى، ص 194 ) .

 [9] د.يحيى الجمل «لماذا توضع الدساتير؟»، جريدة المصرى اليوم القاهرية، عدد 1030، القاهرة، 9 أبريل 2007، ص 13.

 [10]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [11]     النظام السياسي الإسلامي مقارناً بالدولة القانونية: دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة، تأليف: أ.د منير حميد البياتي، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن- عمان، الطبعة الرابعة (1434=2013م).ص 10.

 [12]     «الفتنة الكبرى، الجزء الأول، «عثمان»، طه حسين، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة عشر، 2003 ص 6

 [13]     «دستور الأخلاق في القرآن»، دكتور محمد بن عبد الله دراز، الناشر: مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1418هـ / 1998م (الطبعة: العاشرة)، ص 689 http://shamela.ws/index.php/book/8665

 [14]     «دستور الأخلاق في القرآن»، دكتور محمد بن عبد الله دراز، الناشر: مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1418هـ / 1998م (الطبعة: العاشرة)، ص 689 http://shamela.ws/index.php/book/8665

 [15]     انظر المقالات في الموقع: http://democracyinislam.com

 [16]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [17]     «فى تفسير المادة الثانية من الدستور المصرى» , دكتور/ بهاء الدين محمود محمد منصور, مجلة الأزهر الصادرة عن «مجمع البحوث الإسلامية» ؛ عدد جمادى الأولى 1434 هجرية ؛ أبريل 2013م.

 [18]     « دستورية القرآن الكريم وعلم أصول الفقه الإسلامي»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الرابعة عشر – العدد الثانى والأربعين، 1431 هجرية – 2010م.

 [19]     الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الصادر من الأمم المتحدة، ديسمبر 1949م

http://www.un.org/arabic/aboutun/humanr.htm

  [20]     «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين في الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة السابعة – العدد الثانى والعشرون، 1425 هجرية – 2004م.

 [21]     «تفسير الشيخ الشعراوى للقرآن»، سورة آل عمران (الصفحة 1277)،

http://www.elsharawy.com/books.aspx?mstart=1003007&mend=1003013

 [22]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [23]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 146 – 157).

 [24]     المرجع السابق، ص 148.

 [25]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش،  ص 150 – 151).

 [26]     د.يحيى الجمل «لماذا توضع الدساتير؟»، جريدة المصرى اليوم القاهرية، عدد 1030، القاهرة، 9 أبريل 2007، ص 13.

 [27]     ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴿1﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴿2﴾ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴿4﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴿5﴾ ﴾[النجم:1- 5].

 [28]     ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:17].

 [29]     «الرسالة»، للإمام محمد بن إدريس الشافعى، مكتبة دار التراث، القاهرة، 1426 هجرية – 2005م.

 [30]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص18-19).

 [31]     «المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية»، فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 1428 هجرية – 2007 م، ص 349.

 [32]     «دستورية القرآن الكريم وعلم أصول الفقه الإسلامي»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، جامعة الأزهر، السنة الرابعة عشر – العدد الثانى والأربعين، 1431 هجرية – 2010م.

 [33]     انظر الحكم في الموقع: http://forum.arabia4serv.com/t68525.html#ixzz45KCPTcg5

 [34]     «فى تفسير المادة الثانية من الدستور المصرى»، دكتور/ بهاء الدين محمود محمد منصور،=> =مجلة الأزهر الصادرة عن «مجمع البحوث الإسلامية»، عدد جمادى الأولى 1434 هجرية؛ أبريل 2013م (الجزء 5، السنة 86).

 [35]     انظر البيان في الموقع: http://egyptlayer.over-blog.com/2013/09/blog-post_8106.html

 [36]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 35).

 [37]     «أصول الفقه» للشيخ محمد الخضرى، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1426 هجرية – 2005 م (ص9).

 [38]     «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده»، دكتورة/حورية توفيق مجاهد، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999م، ص 287.

 [39]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 35).

 [40]     المرجع السابق، ص 288.

 [41]     «دستور الأخلاق في القرآن»، دكتور محمد بن عبد الله دراز، الناشر: مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1418هـ / 1998م (الطبعة: العاشرة)، ص 689.http://shamela.ws/index.php/book/8665

 [42]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص34- 35).

 [43]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 264).

 [44]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م ص 203.

 [45]     انظر المقالات في الموقع: http://democracyinislam.net/

 [46]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 9).

 [47]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 12).

 [48]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 16).

 [49]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 23).

 [50]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 26).

 [51]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 42 – 44).

 [52]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 44).

 [53]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 76).

 [54]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 55).

 [55]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 65).

 [56]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 65).

 [57]     «ﻣﻮاﺿـﻴﻊ ﻓـﻲ ﻣﻘـﻴﺎس اﻟﻘﺎﻧـﻮن اﻟﺪﺳـﺘﻮري»، اﻟﺴﻌﻴﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎﻧﻲ، كلية اﻟﺤﻘﻮق واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻗﺴﻢ اﻟﺤﻘﻮق، ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺼﺪﻳﻖ ﺑﻦ ﻳﺤﻲ ﺟﻴﺠﻞ، 2016.

 [58]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 65).

 [59]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 67).

 [60]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 34).

 [61]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 35).

 [62]     المرجع السابق، ص36 – 37.

 [63]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 67).

 [64]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 67).

 [65]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 146 – 157).

 [66]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [67]     المرجع السابق، ص 148.

 [68]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [69]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 192).

 [70]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 159).

 [71]     أرجو الرجوع إلى «الفقرة الثانية» من «البند الثانى» في هذه المقالة وفيه تفسير الشيخ الشعراوى عن «سورة آل عمران، الآية 7» لملاحظة الدور المتشابه للإطار الدستورى الذى تبينه «وثيقة الدستور الوضعى»، والإطار الذى يجتمع بيانه في «مجموع الآيات المُحكمات» حيث هذا المجموع هو «أم الكتاب»، أى أن «مجموع الآيات المُحكمات» لا نُسقِط منه=> =آيةٌ واحدة لأنه «أم الكتاب» وهذا المجموع هو نفسه «الدستور القرآنى» الذى يضبط تأويل المتشابه ويضع «الإطار للحكم والفتوى في ما ليس فيه نص».

 [72]     «المدخل للعلوم القانونية، نظرية القانون، الجزء الأول»، الدكتور رجب كريم عبد اللاه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2005 (ص 67).

 [73]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 34 – 37).

 [74]     المدخل للعلوم القانونية، النظرية العامة للقانون»، الدكتور/ أحمد شوقى محمد عبد الرحمن، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2005 (ص 6).

 [75]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص 34).

 [76]     «دستور الأخلاق في القرآن»، دكتور محمد بن عبد الله دراز، الناشر: مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1418هـ / 1998م (الطبعة: العاشرة)، ص 689

http://shamela.ws/index.php/book/8665

 [77]     «دستور الأخلاق في القرآن»، دكتور محمد بن عبد الله دراز، الناشر: مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1418هـ / 1998م (الطبعة: العاشرة)، ص 689

http://shamela.ws/index.php/book/8665

 [78]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 35).

 [79]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [80]     «تفسير الشيخ الشعراوى للقرآن»، سورة آل عمران (الصفحة 2355 – 2362)،

http://www.elsharawy.com/books.aspx?mstart=1004059&mend=1004065

 [81]     «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين في الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة السابعة – العدد الثانى والعشرون، 1425 هجرية – 2004م.

 [82]     تاريخ الطبرى، تاريخ الأمم والممالك، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى، المجلد الثانى (من السنة الأولى للهجرة لغاية السنة 35 للهجرة)، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية، 1408هـ – 1988م، ( ص 227).

 [83]     «فقه السنة»، الشيخ سيد سابق، المجلد الأول (الجزء الأول)، دار الريان للتراث (مكتبة الخدمات الحديثة)، القاهرة، 1988، ص 506.

 [84]     «الفاروق عمر»، محمد حسين هيكل، دار المعارف، القاهرة، 1986 (الطبعة الثامنة )، و«عبقرية عمر»، عباس محمود العقاد، دار المعارف، القاهرة، 1976.

 [85]     «الفاروق عمر»، محمد حسين هيكل، دار المعارف، القاهرة، 1986م (الطبعة الثامنة)، (الجزء الثانى، ص 194)، و« الشريعة الإسلامية في الحكم والإدارة، الأصول والإحياء «، د.بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثانى والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [86]     «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948م.

 [87]     «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 222).

 [88]     «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين في الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل=> =للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة السابعة – العدد الثانى والعشرون، 1425 هجرية – 2004م.

 [89]     «مصطفى الفقى: إيران صاحبة أذكى سياسة ونحن عاجزون عن اللحاق بها»، جريدة الدستور اليومية القاهرية، عدد 117، 10 أبريل 2007، ص 5.

 [90]     دكتورة/ حورية توفيق مجاهد، «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده »، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999م ص281، 282.

 [91]     «الشريعة الإسلامية في الحكم والإدارة، الأصول والإحياء»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة ـ العدد الثانى والثلاثون، 1428هـ ـ 2007م.

 [92]     «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده»، دكتورة/ حورية توفيق مجاهد، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999م، ص 287.

 [93]     المرجع السابق، ص 288

 [94]     المرجع السابق، ص 291

 [95]     «الحكم الرشيد في المنظور الإسلامي»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الثالثة عشرة – العدد التاسع والثلاثون، 1430هجرية – 2009 م.

 [96]     د.يحيى الجمل «لماذا توضع الدساتير؟»، جريدة المصرى اليوم القاهرية، عدد 1030، القاهرة، 9 أبريل 2007، ص 13.

 [97]     «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007 م.

 [98]     د.يحيى الجمل «لماذا توضع الدساتير؟»، جريدة المصرى اليوم القاهرية، عدد 1030، القاهرة، 9 أبريل 2007، ص 13.

 [99]     «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، (ص36 – 37).

 [100]   «المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية «، فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 1428 هجرية – 2007 م، ص 349.

 [101]   «الرسالة»، للإمام محمد بن إدريس الشافعى، مكتبة دار التراث، القاهرة، 1426 هجرية – 2005م.

 [102]   «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م ص 25.

 [103]   «أصول الفقه»، الشيخ محمد الخضرى، دار صادر، (الطبعة الأولى )، بيروت، 1426 هجرية – 2005 ص 10.

 [104]   «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م ص 202.

 [105]   «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م ص 203.

 [106]   «الحكم الذى يوجد عليه إجماع يؤخذ به مقدَّماً على غيره من الأحكم التى اجتهد فيها الفقهاء».

 [107]   «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 35). (انظر البند الثالث من هذه المقالة)

 [108]   «أصول الصياغة القانونية بالعربية والانجليزية»، محمود محمد على صبرة، مكتب صبرة للتأليف والترجمة، مكتبة شادى، القاهرة 2007، (ص 335 – 345).

 [109]   أو «نصٌّ قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة، أو أشباه وأمثال في أحكام السلف الصالح» في حالة «القضاء الشرعى الإسلامى».

 [110]   (و«لا يوجد في شأنها نصٌّ قطعى الثبوت قطعى الدلالة من القرآن والسنة» و«ليس لها أشباه ولا أمثال نطمئن للأخذ بأحكامها»، وإلا لما اضطرت الدول الإسلامية لإصدار قوانين وضعية في مثل هذه الأمور)

 [111]   «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م (ص 264).

 [112]   «تفسير الشيخ الشعراوى للقرآن»، سورة آل عمران (الصفحة 1277)،

http://www.elsharawy.com/books.aspx?mstart=1003007&mend=1003013

 [113]   خاصةً لأن الله قد أرسل في شأنها «سورة آل عمران، الآية 7» ليبلغنا أن في «مجموعها» نجد «أم الكتاب».

 [114]   جمع الله «الحلال والحرام» في «الوصايا العشر» المذكورة في «التوراة» ثم «الانجيل مصدِّقاً لما في التوراة» ثم برسالة «القرآن» الخاتمة الباقية إلى يوم القيامة « مصدِّقاً لما جاء في التوراة والانجيل ومكملاً»، حيث جاء تأكيدٌ عليها في (سورة الأنعام، آيات 151 – 155).

([115]﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  ﴾[الحجر:9].

 [116]   ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ   ﴾[المائدة:48].

 [117]   ﴿ َسنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ  ﴾[فصلت:53].

 [118]   «المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية «، فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 1428 هجرية – 2007 م، ص (315 – 323).

 [119] «Political thought from Plato to the present», M. Judd Harmon, McGraw-Hill, Inc. New York, 1994, p. (238 – 262).

 [120]   «الحكم الشرعى عند الأصوليين»، الأستاذ الدكتور على جمعة، ، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 1427 هجرية – 2006 م، ص 7.

[121]﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9].

[122]   «علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى» للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995 م ص 203.

[123]    «الأخلاق» هى مصدر الالتزام لدى الرسول الكريم ومن اقتدى به إيماناً وعملاً بينما «الشريعة المقترنة بالعقوبة المادية» على المستويين «الدستورى والقانونى» لعامة البشر، والقصد واحد وهو تحقيق خلافة الإنسان في الأرض وعمارتها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) النور:55].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *