فى موضوع التراث والمعاصرة(فى أصول التشريع الإسلامى)
دستورية القرآن الكريم وفقه الحكم بالغلبة
دكتور/ بهاء الدين منصور
1ـ مقدمة
خلق الله آدم فى الجنة وأمره ألا يقرب شجرةٍ معينة، فعصى آدم ربه وغوى، وسواءٌ كانت الشجرة حقيقيةً أو رمزية إلا أن القصة تعنى أن هناك آداباً على كل من يريد أن يعيش فى ملكوت الله الأعلى أن يراعيها ولا يقرب حدودها، وكانت النتيجة أن أرسل الله آدم وأبناءه رحلةً محسوبةً فى الزمان والمكان والمواقف لكى يصيب الإنسان منها نتيجةً محسوبةً كلٌ بقدره ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) ﴾ (سورة الحديد، الآيتين 22 ـ 23) يعود بعدها الصالحون إلى ملكوت الله الأعلى فى الجنة خالدين فيها لا يسمعون لغواً ولا تأثيماً ﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26) ﴾(سورة الواقعة الآيتين 25ـ26)، بما يعنى أن هناك تغييراً فى السريرة قد أصابهم ففقهوا شريعة الله فى ملكوته.

عندما أمر الله آدم بمغادرة الجنة هابطاً إلى الأرض وعده بأن يرسل إليه هدىً ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) ﴾(سورة طه: الآية 123)، هذا الهدى تعاقب فى رسالات السماء إلى الأرض حملها الرسل والأنبياء من البشر حتى ختمها الله بالرسالة الإسلامية الجامعة بشقَّيْها «القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة» إلى كل البشر بلا تفرقة فى الجنس أو اللون؛ إلى الأقدمين والمحدثين وقد تعهد الله سبحانه وتعالى بأن يحفظ القرآن الكريم بنفسه ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾(سورة الحجر، آية 9)، وشاءت إرادته أن يبقى نصه وحده إلى يوم القيامة من دون كل الرسالات السماوية حتى لا يختلط برسالته الخاتمة ما سبق أن أرسله فى مراحل قبلها ترتبط بزمانٍ ومكانٍ وأقوامٍ خاصة وينتهى الغرض منها بانتهاء ظروفها، بما يعنى أن شريعة الله الكونية التى لم تختلف ولم تتبدل فى كل الرسالات السماوية عنها فى ملكوت الله الأعلى اكتمل بيانها فى الرسالة الإسلامية لتسمو وتهيمن على كل ما سبقها ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) ﴾(سورة المائدة، آية 48)؛ كما تسمو وتهيمن الدساتير فى النظم التشريعية الوضعية الحديثة .
ليس فى الإسلام كهانة ولا كهنوت ولا إمامة ولا مذاهب مستقلة تشرع بما لم يأت به الله ورسوله، وفى ذلك يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) ﴾(سورة النساء، آية 59)، أطراف هذه الآية الكريمة أربعة هم الله، والرسول، وأولوا الأمر والمسلمون، وإذا كان الشق الثانى من الآية يتحدث عن تنازع يُرد الأمر فيه إلى الله والرسول، فإن هذا يعنى أن التنازع هنا هو بين أولى الأمر والمسلمين، وأن المرجعية فى من هو على الحق ومن انحرف عنه هو رد الأمر إلى الله ورسوله، وبمنتهى الوضوح أطيعوا الله، فهو مصدر للتشريع، وأطيعوا الرسول، فهو مصدر للتشريع يُوحَى إليه، ويكمل هذا المفهوم أنه معصوم من الخطأ ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ﴾(سورة النجم، آية 1ـ5)، فالسنة النبوية المشرفة ليست إلا وحياً يوحى من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله الكريم لتفصيل ما جاء فى القرآن الكريم وتقييد مطلقه ولبيان مُحكمه.
جاءت الرسالة السماوية مُقسَّمةً إلى قسمين رئيسين، وهذا حسب ما جاء فى القرآن الكريم نفسه ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) ﴾(سورة آل عمران، آية 7 )، وبالتالى فإن الآيات المحكمات تنبع منها المبادئ والأحكام الآساس فى الدين الإسلامى عقيدةٌ وشريعة وعبادات، هذا بينما تشير الآيات المتشابهات لما يُمكن أن يختلف فيه الناس باختلاف الزمان والمكان والعلوم والمفاهيم والتفاصيل التطبيقية، وقد اجتهد المسلمون من بعد انتقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بحثاً عن صحيح مقاصد الرسالة السماوية وصحيح تطبيق أحكامها واختلفوا فى ذلك بحسن نية وحيدةٍ علمية وأحياناً للحصول على منافع دنيويةٍ مُغرضة .
«الحكم بالغلبة» يعنى الحكم لمن غلب أى أن يحصل الحاكم على سلطة الدولة عن طريق ممارسة القوة أو الخديعة ضد كل من يعارضه فى جلوسه على مقعد الرئاسة وهذا ما كان عليه الشأن فى نمط الدولة الأموية فى القرون الوسطى وفى نمط الدولة البوليسية فى العصر الحديث، السلطان رئيس الدولة وأعوانه بدءاً من الوزير حتى الغفير لا يشعرون بالتناقض بين ممارساتهم فى الحكم وإسلامهم، نحن نناقش هذا الأمر فى هذه المقالة وما يتبعه فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية فى عصر التحولات العميقة إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان فى البلاد العربية والإسلامية بعد نجاح ثورات تونس ومصر عام 1432 هجرية (2011 ميلادية).
2- دستورية القرآن الكريم
فى القرن الثامن عشر الميلادى، وعندما أُعلن قيام دولة الولايات المتحدة الأمريكية، دولةً مترامية الأطراف مواطنوها من المهاجرين من كل أرجاء المعمورة من أعراقٍ وثقافاتٍ متعددة، ظهرت الحاجة إلى وضع إطارٍ مُحكم للتشريعات فى الدولة الناشئة بحيث تتسق كلها على فكرٍ واحدٍ ومقاصد واحدة، وإلا تشتت التشريعات والقوانين وتفككت أوصال الدولة، وكان الحل فى ظهور أول دستور مكتوب فى تاريخ البشرية وهو الدستور الأمريكى عام 1776 ميلادية ليضع إطاراً عاماً لا يُسمح لأحدٍ أيّاً كان موقعه بأن يتجاوزه بما يعنى إقامة دولة القانون، مكملاً لهذا الدستور المكتوب ظهر فقه الرقابة الدستورية على التشريعات والآليات المصاحبة له، واليوم فى القرن الواحد والعشرين استقر بناء النظرية العامة للقانون الدستورى على القواعد الآتية [1]:
1ـ مبدأ تدرج القوانين وسمو الدساتير
2ـ ينبع من مبدأ سمو الدساتير «أن يكون للدستور السمو على ما عداه من تشريعات وأن تكون له مكانة الصدارة عليها، ومن ثم تلتزم جميع السلطات فى النظام السياسى فى الدولة بوجوب التقيد بنصوصه واحترامه وعدم الخروج على حدوده والالتزام به»[2].
وهذا يعنى أن يكون الدستور مهيمناً على كل التشريعات التى يجب ألا تصدر إلا «فى إطاره وطبقاً لنصوصه وروحه، أياًّ كان مضمونها أو نصوصها أو طبيعتها فهى كلها يجب وبالتعريف وبالتحديد الدقيق أن تصدر وتدور فى فلك الدستور» [3].
لم ينشأ علم أصول الفقه ولا كتابة الفقه بطريقةٍ منهجية إلا فى القرن الثانى الهجرى وكان ذلك على يد الأئمة الأربعة المشهورين مالك والشافعى وأبو حنيفة وابن حنبل ؛ ولذلك فإن «علم أصول الفقه» المنقول عن السلف الصالح قد نظر إلى القرآن الكريم باعتباره مصدراً لنصوص قانونية تنظم أعمالاً جزئية بعينها وتضع عقوبات (حدود) لمن يتجاوزها ولم يظهر فيه أى منهجية لإدراك دستورية القرآن الكريم بالمفهوم الحديث للدستورية، «دستورية القرآن الكريم» تُعنى «بالإطار العام للمعاملات الإسلامية» الذى يحتوى بداخله كل ما هو شرعى ويقع خارجه كل ما هو غير شرعى فنطبق معايير «الرقابة الدستورية» على أى فتوى أو حكم ليس له نص فى القرآن الكريم أو السنة النبوية المشرفة فنعرف مدى شرعيته، وفى هذا الشأن يجب أن يكون هذا الإطار قطعى النص قطعى الدلالة جامعاً مانعاً يمنع الخلط بين «ما هو شرعى وما هو غير شرعى»؛ صالحاً لكل زمان ومكان لأن الرسالة السماوية نزلت لكل البشر بلا حدود للزمان أو المكان.
القرآن الكريم كل نصوصه قطعية [4] وهذه مسألة ثابتة فى كل ما كُتِبَ فى علم أصول الفقه والسيرة فضلاً عن أن الله سبحانه وتعالى قد تعهد بحفظه بنص آياته الكريمة ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(سورة الحجر، الآية 9)، ﴿ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ﴾(سورة يونس، الآية 64)، ولكن بنص القرآن الكريم نفسه وتحديداً فى «سورة آل عمران، آية 7» التى سبق ذكرها فى مقدمة هذه المقالة فتنقسم آياته إلى آياتٍ مُحكمات هن أم الكتاب (دلالاتها قطعية) وأخر متشابهات، وبالتالى فإن الآيات المحكمات تنبع منها المبادئ والأحكام الآساس فى الدين الإسلامى عقيدةٌ وشريعة وعبادات، هذا بينما تشير الآيات المتشابهات لما يُمكن أن يختلف فيه الناس باختلاف الزمان والمكان والعلوم والمفاهيم حيث دلالاتها ظنية[5]، ولكن من المفترض أن يكون الاختلاف بما لا يناقض ثوابت الدين المعرَّفة من خلال الآيات المحكمات، والتى من المُفترض أن تعرِّف فئةً مقفلةً من الأحكام الشرعية فى العقيدة والشريعة والعبادات، وبالتالى فإن الآيات المحكمات اللاتى هن أم الكتاب فضلاً عن أنها قطعية الثبوت، فهى أيضاً قطعية الدلالة وهى التى يُؤخذ منها ويُبنى عليها «الإطار الدستورى» الذى نبحث فيه.
وفى موضوع قطعية النصوص للسنة النبوية المشرفة فنذكر أن الوقائع التاريخية الثابتة المتواترة فى هذا الشأن تبين أن الحديث لم يُجمع فى الصدر الأول من الإسلام لِماَ كان يُروى عن النبى أنه قال: «لا تكتبوا عنى شيئاً غير القرآن. ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه»[6]، على أن أحاديث النبى كانت متداولة على الألسن يومئذ، وكانت الروايات يُختلف فيها. ولقد أراد عمر بن الخطاب جمع الأحاديث الشريفة ولكنه رجع عن ذلك حتى لا تختلط بكتاب الله، وظلت الأحاديث بعد ذلك تتوالد وتتداول، حتى جُمع ما صح لدى الجامعين منها فى عهد المأمون[7].
وهكذا فإن أصل الأصول فى الدستور الإسلامى هو القرآن الكريم قطعى النص وفيه الآيات المحكمات اللاتى هن أم الكتاب، أما السنة النبوية المشرفة فنصوصها ليست قطعية وقد يُذكر الحديث على أكثر من رواية، ولكن هذا لا يُعيبه فلعلم الحديث ضوابطه بحيث يتم تنقية الأحاديث والروايات والتأكد من صحة الحديث وصحة أصوله بحيث تقوم السنة بدورها المكمل لما جاء فى القرآن الكريم فى تفصيل مُجمله، وتقييد مُطلقه، وتخصيص عامه، ولا تتطرق لما لا يتفق مع وقار الدين الإسلامى ورسوله ويخرج عن هدف الرسالة السماوية فى بيان العقيدة والشريعة والعبادات فتتشتت العقول والمفاهيم، وتنصرف الأفكار عما كان يجب أن تذهب إليه.
من حيث الموضوع، ينقسم الثابت عن السنة النبوية الشريفة إلى قسمين رئيسين؛ الأول يخص الموضوعات الإسلامية فى العقيدة والشريعة والعبادات، وهذه قد بين الله سبحانه وتعالى أنها وحىٌ يوحى من عند الله ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ﴾ (سورة النجم: الآيات 1ـ5)، والقسم الثانى يخص الجانب البشرى من شخص رسول الله مثل الملبس والمأكل والمظهر وغيره مما قد يسجَّل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول معصومٌ من الخطأ فيه، ولكنها من الأمور المسكوت عنها فى الشأن الإسلامى لأنها ليست من موضوعات الرسالة السماوية وإلا تطرق لذكرها القرآن الكريم الذى لم يفرط فى شىء ﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)﴾ (سورة الأنعام، الآية 38)، من أراد أن يأخذ بها فهذا شأنه ومن لم يرد فلا غبار عليه، وبالتالى ونحن نبحث عما هو قطعى النص قطعى الدلالة ليؤخذ وجوبيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإننا نأخذ ما ثبت من وقائع السنة النبوية الشريفة ويقع فى موضوعات العقيدة والشريعة والعبادات الإسلامية.
وهكذا فإن الدستور الإسلامى المأخوذ عن نبأ السماء وحدة ليكون مرجعاً نقيس عليه صحة ما يأتينا من تراث المسلمين وما يُستجد من الأمور يستند على، وبالأولوية الآتية :
1ـ الآيات المحكمات اللاتى هن أم الكتاب.
2ـ الثابت من وقائع السنة النبوية الشريفة ويقع فى موضوعات العقيدة والشريعة والعبادات الإسلامية، ويتوافق مع القرآن الكريم، حيث تقوم السنة بدورها المكمل لما جاء فى القرآن الكريم فى تفصيل مُجمله، وتقييد مُطلقه، وتخصيص عامه.
الصياغة الدستورية والآيات المحكمات
تتميز الصياغة الخاصة بمواد الدستور بالعبارات القصيرة الواضحة مُحكمة الصياغة قطعية الدلالة، بحيث تكمل كل مواد الدستور مع بعضها كُلاَّ متكاملاً لا يُسمح بنقض إحداها وإلا تم نقض البناء التشريعى المتكامل المتوافق أو خرقه، ونظراً لسمو الدستور على كل البناء التشريعى فى الدولة فهى عبارات لا تحتوى على أى إجراءات تنفيذية ولا تفاصيل تطبيقية، حيث تُترك هذه الأمور للتشريعات الأقل مستوى وهذا يعطيها الثبات والوضوح ويقلل من حولها الجدل، وكذلك جاءت صياغة الآيات المحكمات.
وهكذا تعمل مبادئ الدستور الواحد فى تكامل وشمول وتوافق داخلى بحيث تعين ما هو شرعى وما هو غير شرعى تبعاً لهذا الدستور والقوانين الطبيعية المستند عليها، وهناك مبدأ سمو الدساتير وتدرج التشريعات، وبالتالى لا يُسمح لأى تشريع أو قانون أو لائحة أن يصدر وفى أى منها ما يُناقض أى نصٍّ فى الدستور، والأمر أولى إذا أردنا الأخذ «بدستورية القرآن الكريم»، وكما هو من الأصول فى كتابة الدساتير أن تُصاغ مواده فى عبارات قصيرة قاطعة لا تحتوى التفاصيل، حيث تترك التفاصيل لما دون الدستور من التشريعات، كذلك جاء القرآن الكريم فى آياته المحكمات.
النصوص الآمرة بدستورية القرآن الكريم، والسنة النبوية المشرفة
مبدأ سمو الدساتير وتدرج القوانين يقابلها هنا مبدأ سمو وهيمنة القرآن الكريم على كل الرسالات السماوية وعلى كل مصادر التشريع الإسلامية، أيضاً هناك أساس مُحكم لتدرج مصادر التشريع الإسلامى.
هيمنة القرآن الكريم وشموليته على غيره من الكتب السماوية، وهيمنته على الأحكام الإسلامية وكل ما يصدر فى الشأن الإسلامى أولى، وصدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) ﴾(سورة المائدة: الآية 48).
أما عن تدرج مصادر التشريع الإسلامى فأساسه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل عندما أرسله عاملاً على اليمن، حيث أوضح أسس التشريع الإسلامى وتسلسلها فهى القضاء بكتاب الله فإن لم يجد فبسُنة رسول الله، ثم الاجتهاد بالرأى[8]، ويؤخذ من هذا الحديث أن أصول التشريع ثلاثة، هى على الترتيب : الكتاب، فالسنة، فالاجتهاد بالرأى[9].
كلية القرآن الكريم وشموليته، هى الأساس لصحة وشرعية قيامه بدوره الدستورى، ونجاحه كإطار تشريعى، وبالتالى شرعية تطبيق رقابة الإلغاء ورقابة الامتناع على أساس مبادئه، شمولية الكتاب (القرآن الكريم) وعدم جواز تجزئته منصوصٌ عليهما من الله سبحانه وتعالى، حيث يقول فى محكم آياته:
﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)﴾ (سورة الأنعام، الآية 38).
﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)﴾ (سورة البقرة، الآية 85)، وهكذا فإن تجزئة الكتاب الذى هو القرآن والأخذ ببعضه وصرف النظر عن بعضه هونوعٌ من التحريف والكفر بنص هذه الآية الكريمة، ومن الأولى ألا يتم تجزئة الآية القرآنية أو نزعها من سياقها بل يجب النظر فى الموضوع مع استحضار كل ثوابت الدين الإسلامى عند الحكم أو الفتوى.
3 – الإطار العام للمعاملات الإسلامية
الإطار العام للمعاملات الإسلامية أساساته هى العدل والرحمة والإحسان وتأدية الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾(سورة النحل، الآية 90)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)﴾(سورة النساء، الآية 58). وبخصوص السلطة والنفوذ فقد حرم الله البغى بغير الحق ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) ﴾(سورة الأعراف، الآية 33)، أما بخصوص التعامل فى الأموال والتبادل الاقتصادى فقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)﴾ (سورة النساء، الآية 29)، وحرَّم التلاعب فى الكيل والميزان وبخس الناس أشياءهم لأكل حقوقهم فى تبادل السلع الاقتصادية ﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)﴾(سورة هود، الآية 85)، وحرم الإدلاء بأموال الناس بالباطل إلى الحكام ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) ﴾(سورة البقرة، الآية 188)، وأوجب أيضا المحاسبة بين الناس على الأموال حفاظاً على حقوق العباد ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) ﴾(سورة البقرة، الآية 282) [10].
أما آداب التقاضى وواجباته فهى القسط فى الشهادة ﴿ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ﴾(سورة الأنعام، الآية 152)، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) ﴾(سورة المائدة، الآية 8)، وعدم كتمانها، وتحريم قول الزور ﴿ وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)﴾(سورة البقرة، الآية 283)، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) ﴾(سورة الحج، الآية 30)، ﴿ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72)﴾(سورة الفرقان، الآية 72)، أما فى القصاص فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) ﴾(سورة النحل، الآية 126) [11].
وهكذا وضع الله حدوداً للتعامل لا يتعداها أحدٌ مسلماً أو غير مسلم، مثل جرائم القتل أو السرقة أو الزنا والاعتداء على الأنساب دون إقامة الحدود التى أوضحها الله سبحانه وتعالى فى شرعه الحنيف، فضلاً عما هو محرم مما يندرج تحت صور البغى والتعدى على الآخرين، فإذا اختلفوا فإن آساس التقاضى العادل وأركانه يرعاها الله بنفسه فى آيات محكمات ويتوعد الخارج عن هذه الآساس أشد العذاب، حيث تقع كل هذه المعاملات على أساس متين من وجوب القسط فى الشهادة وعدم كتمها وتحريم قول الزور، وتلك أهم آساس إقامة العدل فى جميع المعاملات بين الأفراد وفى ساحات القضاء بل تكفي وحدها لإقامة مجتمع العدل والاستقامة.
4 – العلاقة الإسلامية الشرعية بين الحكام والمحكومين[12]
بالنظر إلى أن الدولة هى التى ترعى تطبيق الشريعة فى المجتمع وتحرسه بسلطتها وتطبق الحدود على الخارجين على القانون فإن «العلاقة الإسلامية الشرعية بين الحكام والمحكومين» تكتسب أهميةً خاصة فى الإطار العام للمعاملات الإسلامية لأن التزام الحاكم وأعوانه «بالمبادئ الدستورية الإسلامية» يمثل أساساً لنجاح التطبيق، وإعفائه منها يعنى عدم جدية التطبيق، المبادئ العامة للمعاملات الإسلامية كُلٌّ لا يتجزأ ولو أخذنا واحدة منها بصدقٍ لقادتنا لاتباع باقى قواعدها ولو خرقنا إحداها لخرقنا الآخرين، ولو طبقناها على معايير وخصائص ومؤشرات العلاقة بين الحكام والمحكومين لوجدنا أن التطبيق الخاص لدستورية القرآن الكريم ومن داخله «الإطار العام للمعاملات الإسلامية» فى موضوع الحكم والإدارة نجد أنه هو نفسه سنة الرسول الكريم فى الحكم والإدارة وهو نفس ما اتبع الخلفاء الراشدون فى الحكم والإدارة، ونجد أن خصائصها وآساسها هى: العدل والمساواة والرحمة فعلى الرغم من مكانة الرسول الكريم العالية بين أصحابه إلا أنه لم يختص نفسه ولا أسرته بأبهة سلطة ولا ترف مال ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)﴾ (سورة الأحزاب، الآيتين 28، 29)، الشورى؛ حيث أمر الله سبحانه وتعالى بالشورى كما جاء فى الآيتين الكريمتين ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾ (سورة آل عمران، الآية 159)، ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) ﴾ (سورة الشورى، الآية 38)، وأقل ما يعنيه ذلك هو حرية الرأى وألا يُضار أحدٌ من اختلافه فى الرأى مع أصحاب السلطة والنفوذ، التعفف عن التمتع بأبهة السلطة أو اكتساب النفوذ الاجتماعي أو التربح منها، كان الرسول الكريم عفيفاً عن السلطة والمال العام وكذلك حرم الله على أزواجه إن كُنّ يردن الله ورسوله فليس لهم إلا أن يكونوا مثله وهذا واضح من سورة الأحزاب[13]، السلطة أمانة لا تُستخدم لغير الغرض التى فُوضت من أجله، والاعتراف للرعية بحقها فى محاسبة الحاكم ومراجعته على السلطة العامة وعلى المال العام وهذا واضحٌ من خطبتى استهلال الحكم من أبى بكرٍ[14] وعمر[15] بطلبهما التقويم والنصيحة، وقصة المرأة التى راجعت عمر بن الخطاب على مهور النساء، وقصة الرجل الذى حاسب عمر على طول حُلّته[16].
وأخيراً رد المظالم قبل مغادرة مقعد السلطة بالوفاة أو بغير ذلك وهذا واضحٌ من ذكر الخبر عن مرض رسول الله الذى توفى فيه[17]، ومنه نأخذ الدروس والعبر، وكذلك فعل خلفاؤه الراشدون وعلى رأسهم أبو بكر وعمر عند الوفاة ومحاسبة كلٍّ منهم لنفسه وسؤالهم عمن جلد له ظهراً أو شتم له عِرضاً أو كان له درهماً فى ذمته.
وإحكاماً للبيان، فصَّل القرآن الكريم نقيض النظام الإسلامى فى الحكم والإدارة، وهو النظام الفرعونى[18].
ونلاحظ هنا أن أساسات ومبادئ الإطار العام للمعاملات الإسلامية وآداب التقاضى وواجباته والعلاقة الإسلامية الشرعية بين الحكام والمحكومين قد بُنيت كلها على آياتٍ محكمات هن أم الكتاب وتحرسها حدودٌ شرعية حددها الله سبحانه وتعالى وتؤكدها سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة، وأنها قد شُرِّعت ليلتزم بها رئيس الدولة والوزير والغفير وكل من منحه الله السلطة والنفوذ حتى ولو كان من خارج نظام الحكم والسلطة الإدارية [19] وفى هذا الشأن نؤكد على أن الشاغل لمنصب رئيس الدولة أو أى من أعوانه يجب أن يطبق عليه الحد شأنه شأن أى فردٍ من الرعية وأن استئمانه على تطبيق القانون لا يعنى إعفاءه من العقوبة أو تستره على أعوانه كما دأب الحكام وأعوانهم فى بلاد المسلمين حتى اعتاد الناس على ذلك وحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أسامة بن زيد فى عدم الشفاعة فى إقامة الحدود بقوله لأسامة بن زيد عندما جاءه يشفع فى إمرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده[20] «يا أسامة، لا أراك تشفع فى حد من حدود الله عز وجل»، ثم قام النبى صلى الله عليه و سلم خطيباً، فقال:
«إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذى نفسى بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» [21] .
إذن بما جاء فى صحيح القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة فإن نمط الحكم الشرعى الوحيد هو نهج النبوة فى الحكم والإدارة بخصائصه الواضحة القاطعة بأنه «لا سلطة بدون مسئولية ولا مسئولية بدون سلطة» وهذا ما اتبع الخلفاء الراشدون ؛ وأن الحكام والمحكومين وأبناءهم سواءٌ فى المحاسبة أمام القانون.
وننوه هنا إلى أنه بالنظر إلى «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» [22] ، نجد أن الحقوق الطبيعية التى أمر الله بها فى قرآنه الكريم للملأ كافةً تسبق كل هذه الحقوق وتشملها [23] .
5 ـ دولة الخلافة الراشدة بمصطلحات علم السياسة الحديث
علم السياسة هو علم السلطة كيف تُكتسب وكيف تُمارس، وفى هذا الشأن أتى فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية المشرفة وبمنتهى الوضوح الضوابط التى تحفظ لكل ذى حقٍ حقه وتضع ضوابط للحكام والمحكومين بما يحفظ سلامة الدولة من انتقاص سلطاتها وذلك حتى تستطيع أن تقوم بوظائفها، وحقوق المحكومين والحكام قِبَل بعضهما البعض وذلك حتى لا يفترى أحدهما على الآخر، وعلى الأغلب هو افتراء الحكام على المحكومين بحكم السلطة العامة التى يمارسونها على أجهزة الدولة ومرافقها، وننوه إلى أنه لم يأت فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية المشرفة فى الموضوع السياسى شئٌ عن النظام السياسى (تنظيم الدولة ومرافقها)، حيث تعتبر من الأمور المسكوت عنها وتم ترك هذا الأمر لظروف كل عصرٍ وتقنياته، ولكن جاء فى دستورية القرآن الكريم القائمة على كل ما جاء فى نبأ السماء من القرآن والسنة النبوية المشرفة قطعى النص قطعى الدلالة وما تبيَّن تفصيلاً من أمورٍ تشريعية فى الشأن السياسى المأخوذة عن شخص الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم وخلفائه الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ما يكفى لتعيين ضوابط الشأن السياسى فى الدولة الإسلامية الشرعية المتسقة تمام الاتساق مع دستورية القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة.
استقر فى الفكر السياسى الحديث بدءًا من عصر التنوير (القرن السابع عشر حتى الثورة الصناعية فى القرن الثامن عشر) مجموعة من الموضوعات الهامة التى تطورت واستقرت بإطراد واكتسبت نجاحاً وقبولاً متزايداً بعد نجاح تطبيقاتها حتى أنها أصبحت جزءاً أساساً وعضوياً من الثقافة العامة الحديثة على مستوى الأفراد والجماعات واعتبرت من مبادئ كلٍّ من: حقوق الإنسان والفكر السياسى والنظم القانونية والدستورية الحديثة، حيث تشمل سيادة الدولة [24] (بودان، القرن السادس عشر، ص 209)، والعقد الاجتماعى والإرادة العامة [25] (جان جاك روسو، القرن الثامن عشر، ص 292ـ318)، والفصل بين السلطات[26] (منتسكيو، القرن الثامن عشر، ص 263ـ291)، ونظرية المنفعة [27] لجون ستيوارت ميل (ص 379)، مما أدى إلى تطور الدساتير الحديثة والنظم السياسية لتشمل المساواة وحرية إبداء الرأى، إلى آخر ما هو متعارف عليه من حقوقٍ للإنسان الطبيعى الذى خلقه الله حرًّا ولا يناقض طبائعه الشخصية، وتم تحصين هذه الحقوق فى مواجهة طغيان الدولة أو القائمين عليها بآليات المراجعة والتوازن Checks and balances المستقرة فى الدول الحديثة التى تمارس الديموقراطية وغير ذلك من العلوم والتقنيات الحديثة [28] [29].
سـيادة الدولـة
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) ﴾(سورة النساء، آية 59)، بمعنى أطيعوا الله، فهو مصدر للتشريع، وأطيعوا الرسول، فهو مصدر للتشريع يوحى إليه، وأولى الأمر منكم وهذا أمرٌ لا يختلف عليه أحدٌ للحفاظ على سيادة الدولة فضلاً عن أن هناك مبدأٌ لا يختلف عليه أحدٌ فى الإدارة وهولا سلطة بدون مسئولية ولا مسئولية بدون سلطة وقد يُبرز القائمون على الخطاب السياسى الرسمى قديماً وحديثاً فى حديثهم للعامة ما فى صالح أصحاب السلطة وهو الشق الأول من الآية الكريمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ويتناسون الشق الثانى ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾، حيث ينص على شرعية الاختلاف بين الحكام والمحكومين فى الدولة الإسلامية، وأن المرجعية فى هذا الشأن ما جاء من ضوابط للعلاقة فى القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، ولا حق لأحد طرفى العلاقة (الحكام أو المحكومين فى الخروج على ضوابطها)، وأيضاً يبرزون «لا مسئولية بدون سلطة» ويتجاهلون وجوب المحاسبة على هذه السلطة المفوضة إليهم بما يُخل بتوازن الحقوق والواجبات فى العقد الاجتماعى.
العقد الاجتماعى
نستطيع أن نلخص العقد الاجتماعى بين الحكام والمحكومين فى تطبيق الدستور الإسلامى فى الحكم والإدارة المأخوذ عن صحيح سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة يوم وقف رجلٌ من العامة يحاسب سيدنا عمر بن الخطاب، «جاءت عمر برود من اليمن ففرقها بين المسلمين فخرج فى نصيب كل رجل برد واحد ونصيب عمر كنصيب واحد منهم. قيل: واعتلى عمر المنبر وعليه البرد وقد فصله قميصاً، فندب الناس للجهاد، فقال له رجل: لا سمعاً ولا طاعة. فقال عمر: ولم ذلك؟ قال الرجل لأنك استأثرت علينا؛ لقد خرج فى نصيبك من الأبراد اليمنية برد واحد، وهولا يكفيك ثوباً، فكيف فصلته قميصاً وأنت رجل طويل؟ فالتفت عمر إلى ابنه قائلاً: أجبه يا عبد الله. فقال عبد الله: لقد ناولته من بردى فأتم قميصه منه. قال الرجل: أما الآن فالسمع والطاعة»[30] [31].
هذا عمر بن الخطاب يعلمنا شريعة الله الكونية فى الحكم واتزان العلاقة بين الحكام والمحكومين، إنها السمع والطاعة الضرورية لانتظام الحكم والإدارة مقابل قبول الحاكم لمبدأ المحاسبة من الرعية على السلطة والمال العام قبولاً مطلقاً لا اعوجاج فيه وبدون قيدً أو شرط كما فعل عمر .
الشورى والمحاسبة وضرورة الفصل بين السلطات
كل ما ذكرناه عن حقوق الإنسان الطبيعية المنصوص عليها فى الآيات المحكمات والموضحة فى بند «دستورية القرآن الكريم» وكل ما جاء من سنن حاكمة فى «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة» يجعل من الحكم الإسلامى الشرعى أمراً شديد الصعوبة على النفس البشرية أن تلتزم به وبآدابه ما لم تُجبر على ذلك، ولذلك لابد من إقامة نظام الدولة الإسلامية على آساس توازنات القوى فى الدولة وبناءً على أطرٍ قانونية ومؤسَّسية وآليات تحفظ حقوق المحكومين الشرعية، بحيث لا يستطيع الحاكم هو وأعوانه إلا أن يسلِّم بما هو مكتوب فى الأطر القانونية طوعاً أوكرهاً وإلا تعرض للمساءلة القانونية التى لا تفرق بين عظيمٍ وغفير، هذه الآساس تتلخص فى مبادئ ثلاثة رئيسه، هى كالآتى[32]:
1ـ إقامة توازنات القوى داخل الدولة، وذلك بالفصل بين السلطات الداخلية الرئيسة فى الدولة عن بعضها البعض وعن ولاية رئيس الدولة باستقلالها إدارياً ومالياً؛ السلطات الآساس الرئيسة هى السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية، ونضيف فى الدول الإسلامية المؤسسة الدينية الإسلامية واستقلالها مالياً وإدارياً عن ولاية رئيس الدولة وغيره حتى تقوم بدور الولاية الأدبية وبيان الصواب من الخطأ شرعاً دون شبهة تعيين كبرائها عن طريق رئيس الدولة أو التربح من فتاواهم، ونؤكد أيضاً على ألا تكون لها أى سلطة إدارية أو مالية أو قضائية أو تشريعية فى الدولة حتى تبقى كياناً أدبياً مبجلاً «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر».
2ـ تنظيم الدولة على آساس المراجعات والتوازنات المتبادلة بين سلطات الدولة التى جرى التأسيس لفصلها من الأساس .
3ـ كتابة نص دستورى يبين الإطار التنظيمى للدولة ومكونات كل منها واختصاصاته وأن يحترم هذا النص الدستورى الحقوق الطبيعية للإنسان وأن يؤسس بوضوح وبطريقةٍ قاطعة محاسبة رئيس الدولة على السلطات المفوضة إليه وبحيث تمارس السلطات الداخلية فى الدولة أعمالها داخل أطر وعلاقاتٍ قانونية واضحة، وعلى أن يبين هذا الدستور وبوضوح مبادئ وأطر الفصل بين السلطات وما بينها من مراجعاتٍ وتوازنات، وذلك للرجوع إلى هذا النص لفض المنازعات، مع وضع نظامٍ محكم للرقابة الدستورية على التشريعات.
هذه هى المبادئ السياسية التى يُمكن أن تملأ الفجوة السياسية فى التراث السياسى الإسلامى، تلك الفجوة التى تجعل المسلمين يستجدون حقوقهم المشروعة والمبينة فى الخلافة الراشدة من الحكام إن شاءوا منحوا وإن شاءوا منعوا كما يحدث فى غالب الأحيان.
6 ـ أحداث الفتنة الكبرى والقضاء على دولة الخلافة الراشدة
لا يُمكن أن يُطالب المحكومون بفصل الدين الإسلامى عن الدولة فهو ينص على حقوق الإنسان الطبيعية وعلى الشورى ومحاسبة الحكام على السلطة المفوضة إليهم ومن صالح المحكومين أن يلتصقوا بالدين الإسلامى للمطالبة بحقوقهم السياسية، وإن أول ما يتصل بتطبيق الشريعة الإسلامية هو التأسيس لحق المحكومين فى اختيار من يحكمهم وحقهم المطلق فى محاسبته على السلطة المفوضة له وعلى المال العام وهذا يعنى وجود آلية قانونية للمساءلة والمحاسبة والمقاضاة وإقامة الحد على الحاكم وأعوانه إذا اعتدى أحدهم على الحقوق فالحكام مواطنون كغيرهم ولا حصانة لهم إذا تأكد القضاء من جدية الاتهام؛ فهذه أمور دستورية يجب أن يأخذها الدستور الوضعى فى الدولة فى اعتباره فحقوق الإنسان الطبيعية تسبق الدساتير كما هو ثابت فى الفقه الدستورى الوضعى، ثم يأتى من بعد ذلك تطبيق الحدود إذا وُجدت الجدوى لذلك فهى تمثل قانون العقوبات، أما القـفذ إلى قانون العقوبات قبل احترام المبادئ الدستورية فيمثل مغالطة.
لقد أعطى الحكام فى دولة الخلافة الراشدة حقوق المحكومين السياسية الشرعية ورعاً وطاعةً لله سبحانه وتعالى واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم زالت دولة الخلفاء الراشدين الشرعية الفاضلة وظهرت الدول الإسلامية التاريخية، التى تختلط فيها توازنات القوى مع بعض النزوع إلى الثقافة الإسلامية فى الحكم والإدارة تزيد وتنقص حسب الظروف والأمزجة .
الشرعية الدينية تعنى صياغة علاقات الحكم والإدارة على الآساسٍ التى أمر الله بها كما جاءت فى القرآن والسنة النبوية المشرفة [33]، والشرعية السياسية تعنى قيام النظام السياسى بوظائفه التى هى شرطٌ لوجوده ولتفويضه السلطة [34]،[35].
بهذا المفهوم نستطيع أن نقول بأن نمط العلاقات بين الحكام والمحكومين فى دولة الخلفاء الراشدين هو النمط الإسلامى الشرعى الوحيد فى كل أنماط الحكم فى الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وقد قام نظام دولة الخلفاء الراشدين على أساس المبادرات الشخصية للرسول الكريم وخلفائه الراشدين بإعطاء المحكومين حقوقهم الشرعية تقوىً وطاعة لله سبحانه وتعالى، ولكنه نظام لم يملك مقومات الشرعية السياسية بعد اتساع الدولة من المدينة المنورة الفاضلة إلى حدودها المترامية بعد الفتوحات على عهد سيدنا عمر بن الخطاب ودخول أفواجٍ هائلة من البشر تحت رعاية الدولة مسلمين وغير مسلمين لأنه يُعلِّـم ويعطى المحكومين حقوقاً لا يملك الآلية لتنظيم ممارستها ولا لفرضها على الخارجين عليها من الحكام وأعوانهم وكانت فترة المنازعات على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ثم استفحال الأمر والتحول إلى الفتنة الكبرى فى عهد سيدنا على بن أبى طالب أدلَّة على فشل هذا النظام السياسى فى ذلك العهد من القرون الوسطى بما فيه من ثقافة عامة وعلوم سياسية مما أفقده شرعية الاستمرار فى السلطة.
بعد الفتنة الكبرى أقام سيدنا معاوية بن أبى سفيان نظاماً يتلافى هذا العيب حيث أبقى على كل ما فى الإسلام من عقائد وعبادات ومعاملات عدا ما له علاقة بالحكم والإدارة حيث اقتبس أحدث ما عصره من نظم سياسية أخذها عن أكبر دولتين فى عصره وهما كسرى وقصر، حيث جعل العلاقة بين الحكام والمحكومين تتسم بمنع الشورى والاستبداد بالسلطة والمال العام وتوريث الحكم وعدم رد المظالم عند الوفاة أوترك الحكم، والسؤال الذى يفرض نفسه، هل يُمثِّل منع الشورى والتحول إلى الملكية بتوريث الحكم وعدم وجود حدود بين اقتناء المال عن طريق السلطة أو بالطرق الشرعية الإسلامية وعدم رد المظالم لا عند الوفاة ولا غيره تحوُّلاً يخرج عن الإطار العام للمعاملات والحدود الإسلامية، أم أنه صورة من صور التطبيق لسنة الرسول الكريم فى الحكم والإدارة ولا تؤدى إلى تناقضٍ رئيس مع ثوابت الشرع والحدود الإسلامية، لم يمر عهد طويل على خروج من حكموا بهذا المذهب عن سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة إلا واضطروا إلى خرق الإطار العام للمعاملات الإسلامية، وكان ذلك بقتل حُجر بن عدى فى السنة الحادية والخمسين من الهجرة على يد معاوية بن أبى سفيان بن حرب نفسه وبعد توليته الحكم بإحدى عشر سنة [36]، وهذا يُثبت أن السنة النبوية الشريفة التى اتبعها الخلفاء الراشدون فى الحكم والإدارة ليست إلا التطبيق الدقيق لصحيح المبادئ الإسلامية العامة فى موضوع الحكم والإدارة وأنه لا يتسق مع الإطار العام للمعاملات الإسلامية إلا صحيح سنة الرسول الكريم فى الحكم والإدارة، وأن الخروج عن هذه السنة يؤدى حتماً إلى خرق الإطار العام للمعاملات الإسلامية والوقوع فى المحرمات الشرعية، وما قتل حُجر بن عدى إلا إثبات لذلك[37].
هذا النمط من الحكم قد استحسنه واتبعه كل الحكام المسلمين بدءاً من القرن السابع الميلادى وقت نشأة هذا النمط من الحكم على يد معاوية حتى القرن الخامس عشر الميلادى عندما تحولت القيادة الإسلامية إلى دولة الخلافة العثمانية، لقد نجح معاوية ومن اتبعوا نمط حكمه فى بناء دولٍ إسلامية قوية تسيدت النظام العالمى طوال حقبة القرون الوسطى وأقامت حضارات ثقافية وسياسية وعلمية باهرة .
وبذلك نخلص إلى أن النظام الذى أقامه معاوية فى الحكم والإدارة عام 40 هجرية؛ وإن كان قد فقد الكثير من شرعيته الدينية الإسلامية بخروقاته للإطار العام للمعاملات والحدود الإسلامية وانحرافه المؤكد عن سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة إلا أنه اكتسب الشرعية السياسية فى ظروف القرون الوسطى بنجاحه فى القيام بوظائف الدولة بامتياز فى ذلك الوقت[38]، وكان هذا أول فصلٍ للدين الإسلامى عن السياسة.
إن المُلك والخلافة الراشدة لا يجتمعان تحت نفس الإسم «السنة», وليقرأ من يريد مؤلفات ابن خلدون إذا كان لا يعترف بالعلوم السياسية الحديثة.
عن ابن خلدون، أنه ذكر ثلاثة أطوار لنظام الحكم فى الدولة، وهى [39] [40]:
«الأول: ملك طبيعى، ويعنى حسب تعبيره: «حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة» وأساسه التغلب والقهر. هى صورة الدولة البدائية فى العلوم السياسية، حيث أن فكرة القانون لم تتجرد عن شخص الحاكم.
الثانى: ملك سياسى وهى «حمل الكافة على مقتضى النظر العقلى فى جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار»، وفى هذه الحالة توجد قوانين سياسية ـ حسب رأيه ـ يسلم بها الكافة ويتقاضون إلى حكمها ـ ويخضعون لها كما كان الحال بالنسبة للفرس.
الثالث: الخلافة وهى «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها»، وفى هذه الحالة يوجد قانون يسود على الحاكم والمحكوم».
وفى هذا الشأن نختم بالإشارة إلى تحليل ابن خلدون فى طبيعة تحول الخلافة إلى المُلك الأمر الذى يتضح من التغير فى الوازع: حيث الملك تقتضى طبيعته الانفراد واستئثار الواحد به، وغلبة الوازع الدنيوى على الوازع الدينى الذى يميز الخلافة [41] [42] ، ثم ذكره كيف «ذهبت معانى الخلافة ولم يبق إلا إسمها وصار الأمر ملكاً بحتاً، وجرت طبيعة التغلب إلى غايتها واستعملت فى أغراضها من القهر والتقلب فى الشهوات والملذات» [43] ، وهذا بيانٌ للفرق بين الخلافة والملك وكيف يتم التحول إلى الأخير [44] .
على الرغم من أن ابن خلدون قد رصد التحول من الخلافة إلى المُلك وذكر آثار هذا الأمر وتداعياته إلا أنه رد الأمر كله إلى غلبة الوازع الدنيوى على الوازع الدينى ووقف عاجزاً عن إعطاء أى حل سياسى لرد الدولة الإسلامية إلى الخلافة وذلك فى ظل قصور العلم المحدود عن الظاهرة السياسية فى القرون الوسطى، وقد قدمنا الحل السياسى فيما ذكرناه فى البند السابق بما لدينا من حلولٍ أتاحها لنا التقدم فى العلم الإنسانى الحديث عن الظاهرة السياسية، ولكن يظل علينا أن نتابع كيف يُمكن أن يتقبل الفقه الإسلامى إعطاء لقب «السنة» لنظام الدولة الأموية ودولة الخلافة الراشدة معاً على الرغم من كل التناقضات المرصودة بينهما، فهل يُمكن أن نجد حلاً فى علم أصول الفقه لهذه المعضلة خاصةً إذا اعترف بالمبادئ الدستورية الثابتة فى الآيات المحكمات فى القرآن الكريم وطبَّق على أساسها رقابة الالغاء ورقابة الامتناع على ما ورثناه فى الفقه والتراث المنقول عن السلف الصالح الذى يمثل أكثره تطبيقات لأحكام شرعية فى ظروف القرون الوسطى قبل اكتشاف حلول علمية للمعضلات التى تتناولها الفتاوى .
7 ـ نهج الخلافة الراشدة مقابل الحكم بالغلبة فى العصر الحديث
فى البند الخامس من هذه المقالة تم بيان الأسس التى تقوم عليها «دولة الخلافة الراشدة بمصطلحات علم السياسة الحديث» حيث تحترم سيادة الدولة داخل حدودها، العقد الاجتماعى بين الحكام والمحكومين هو احترام حق المحكومين فى اختيار من يحكمهم مع حقهم المطلق فى محاسبته على السلطة المفوضة له فى الإدارة وفى المال العام مقابل طاعتهم له، والمبدأ العام فى إقامة الحدود (العقوبات) على الحكام وأعوانهم بالتساوى مع أى مواطن فى الدولة إذا أخطأوا ولا شفاعة لأحدٍ منهم أومن أفراد عائلاتهم أمام القانون، وفى جانب الحكام هى كلها أمور يصعب على النفس البشرية أن تلتزم به وبآدابه ما لم تُجبر على ذلك، ولذلك لابد من إقامة نظام الدولة الإسلامية على آساس توازنات القوى فى الدولة وبناءً على أطرٍ قانونية ومؤسَّسية وآليات تحفظ حقوق المحكومين الشرعية، بحيث لا يستطيع الحاكم هو وأعوانه إلا أن يسلِّم بما هو مكتوب فى الأطر القانونية طوعاً أوكرهاً وإلا تعرض للمساءلة القانونية التى لا تفرق بين عظيمٍ وغفير، هذه الآساس تتلخص فى المبادئ الآتية للتأكيد عليها: هى الفصل بين السلطات الداخلية الرئيسة فى الدولة (السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية)، ونضيف فى الدول الإسلامية المؤسسة الدينية الإسلامية واستقلالها مالياً وإدارياً عن ولاية رئيس الدولة وغيره حتى تقوم بدور الولاية الأدبية وبيان الصواب من الخطأ شرعاً دون شبهة تعيين كبرائها عن طريق رئيس الدولة أو التربح من فتاواهم، ونؤكد أيضاً على ألا تكون لها أى سلطة إدارية أو مالية أو قضائية أو تشريعية فى الدولة حتى تبقى كياناً أدبياً مبجلاً «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر»، تنظيم الدولة على آساس المراجعات والتوازنات المتبادلة بين سلطات الدولة التى جرى التأسيس لفصلها من الأساس، كتابة نص دستورى يبين الإطار التنظيمى للدولة ومكونات كل منها يحترم المبادئ السابقة وكذلك يحترم الحقوق الطبيعية للإنسان وأن يؤسس بوضوح وبطريقةٍ قاطعة محاسبة رئيس الدولة على السلطات المفوضة إليه وبحيث تمارس السلطات الداخلية فى الدولة أعمالها داخل أطر وعلاقاتٍ قانونية واضحة، مع وضع نظامٍ قانونى مُحكم لفض المنازعات وللرقابة الدستورية على التشريعات.
مبادئ الحكم على أساس «احترام حقوق المحكومين فى اختيار (انتخاب) من يحكمهم ومحاسبته ومقاضاته (أمام القضاء والنيابة العامة) إذا أخطأ» كانت معجزة فى القرن السابع الميلادى يوم سقطت دولة الخلافة الراشدة فى صدر الإسلام عام 40 هجرية، ولكنها اليوم فى القرن الواحد والعشرين هى الدولة العصرية الحديثة فى العالم كله (كل دول أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية استراليا وجنوب شرق آسيا) أقامها البشر العلمانيون لأن الفطرة السليمة لدى كل البشر تتوق إلى هذه المبادئ وحلولها موجودة ومتاحة ومطبقة عمليا فى أغلب دول العالم؛ والمسلمون أولى بذلك منهم، ولكن اضطرار علماء المسلمين إلى مسايرة حكام القرون الوسطى طوعاً أوكرهاً قد كبَّل الفقه السياسى الإسلامى بقيود موروثة عطَّلت مسيرة المسلمين إلى الحداثة السياسية، إنها مسايرةً تراوحت بين السكوت على ظلمهم واستبدادهم وتوريثهم الحكم إلى تسمية نمط الحكم الأموى الذى أقامه معاوية بن أبى سفيان بن حرب بأنه أحد صور السنة (على الرغم من تناقضه مع مبادئ السنة النبوية المشرفة فى الحكم والإدارة وهدمه للخلافة الراشدة)؛ بل والتفلسف بإباحة أخذ الحكم بالغلبة (أى بالقوة حيث الحكم لمن غلب)، ومن أخذ الحكم بهذه الطريقة لا يمكن إلا أن يكون مستبداً.
لقد كان من المُفترض أن ينتهى كل ذلك بانتهاء القرون الوسطى، ولكنه استثناءً وبدون أى مبرر من صحيح القرآن والسنة النبوية المشرفة أو ظروف العصر الحديث قد امتد إلى أيامنا هذه فى القرن الواحد والعشرين لنجد أغلب البلاد الإسلامية تحكمها دول بوليسية مستبدة تطاول أغلبها إلى الطمع فى توريث الحكم للأنجال، أما اعتقال وتعذيب المعارضين السياسيين وقول الزور فى الأمور السياسية والبيانات الرسمية والإعلامية وتزويير الانتخابات فمن الأمور اليومية، بدون الادعاء بشرعية فقه الحكم بالغلبة وسُنّية النمط الأموى فى الحكم والإدارة ما كان يمكن أن يجد الحكام المستبدون أى سند من واقع العصر الحديث أومن الشرعية الإسلامية مما يدفع كل من يتعاون معهم فى أجهزتهم البوليسية أو الإعلامية أو أحزابهم السياسية إلى الشعور بالعار، وهذا سيؤدى إلى تجفيف منابع الاستبداد من بلاد المسلمين وينقلنا إلى معيَّة الله سبحانه وتعالى وإلى القرن والواحد والعشرين.
فى هذه المقالة وفى غيرها أثبتنا أن نمط الحكم الأموى وفقه الحكم بالغلبة يقع خارج الإطار الدستورى للقرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، أما عن إثبات نهاية ظروف القرون الوسطى نهائياً من بلاد المسلمين فالواقع الناتج عن ثورة الشباب العظيمة المباركة فى مصر فى 25 يناير 2011م (1432 هجرية) وفى تونس (17 ديسمبر 2010م) حيث خرج الشعب بكل فئاته وفى طليعته الشباب للحاق بالعصر محطماً قيوده التى كبله بها الحاكم المستبد وأعوانه فى أجهزة الأمن الفاسدة والمزورون اللصوص فى الحزب الحاكم والإعلام الحكومى ليثبت أن هناك واقعاً جديداً يختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف القرون الوسطى قد تواجد فى داخل بلاد المسلمين نشأ عن ثورة الاتصالات والمعلومات حيث تفاعلت ثقافة العصر مع وجدان الشباب، لن تستطيع أى قوة فى الداخل أو الخارج أن تُرجع العجلة إلى الوراء لأن هذه الكتلة ستزداد مع الزمن بحكم زيادة نسبة الشباب (60% حاليا) فى الأجيال القادمة مع زيادة نسبة من يتعاملون بالانترنت؛ وعلينا نحن المهتمين بالفقه السياسى الإسلامى أن نعى هذا الواقع الجديد ونضع إصر الفقه الذى زرعته ظروف القرون الوسطى ونسقط شرعيته من بلاد المسلمين ونحيى مبادئ الحكم والإدارة الراشدة التى هى باصطلاحات العصر الحديث «الديموقراطية (بمعنى لا سلطة بدون مسئولية ولا مسئولية بدون سلطة) وحقوق الإنسان فى حرية العقيدة والرأى والتنقل والعمل والحصول على الحد الأدنى من أسباب الحياة الكريمة فى الغذاء والكساء والمسكن والصحة والتعليم»، ويؤيد إعلان انتهاء القرون الوسطى من بلاد المسلمين عامةً الحراك القائم فى ليبيا واليمن والبحرين بل وكل الدول العربية لعل الله أن يفك أسرنا جميعا من قيود المستبدين وأعوانهم لعنهم الله.
8 ـ الشريعة وفقه الواقع
يقوم النظام التشريعى الحديث على أساس نص الدستور الذى يحتوى على الإطار التشريعى للدولة ولا يسمح بالخروج عنه، ثم قوانين متدرجة يُبنى بعضها فوق بعض ويربطها بالدستور مبدأ سمو الدساتير وتدرج القوانين وفى النهاية عند التطبيق نجد عملاً لا ينقطع فى تفسير النصوص القانونية ومناط تطبيقها على الواقع، وكذلك تكون النظرة الحديثة إلى الرسالة السماوية «القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة» حيث تحتوى على الإطار الدستورى الذى قد سعينا إلى إظهاره حديثاً فى مقالاتٍ علمية منشورة، ثم مجموعة القوانين المعروفة لوضع الإطارات الشرعية بالحدود وكذلك للإجراءات الخاصة بالمعاملات الهامة [45] مع ملاحظة أن هذا المستوى التشريعى للقوانين قد حظى بالدراسة والتركيز الشديد والاهتمام فى الفقه المنقول عن السلف الصالح، فإذا لاحظنا أن السوابق القضائية التى تمثلها التطبيقات السابقة لهذه النصوص الشرعية كما فهمها السلف الصالح تحتوى ضمناً وصراحةً على تفسير النصوص القانونية ومناط حكمها يتضح مدى الارتباط العضوى بين الفقه المنقول وفقه الواقع الذى عايشه السلف الصالح وهو يمارس هذه التطبيقات .
تعريف القاعدة القانونية
«خصائص القاعدة القانونية: القانون هو قاعدة عامة مجردة تنظم السلوك الاجتماعى، تكفل السلطة العامة احترامها بتوقيع جزاء مادى على من يخالفها، ويُستخلص من هذا التعريف أن للقاعدة القانونية ثلاث خصائص [46] :
- قاعدة عامة مجردة
- تنظيم للسلوك الاجتماعى
- اقترانها بجزاء مادى».
ومن الخصائص الناتجة بالضرورة المنطقية عن التعريف السابق هو أن تنظيم السلوك الاجتماعى شأنه شأن أى عملية تنظيمية لابد من أن يكون لها غاية ما نهائية وهدف مباشر أوضمنى وهذا هوما يُسمى «قصد المشرِّع» الذى لابد من أن يكون واضحاً بذاته أويتم توضيحه فى مذكرة توضيحة تُرفق بالنص القانونى وتكون من ملحقاته ويتم الاستعانة بها عند الاختلاف فى التفسير وصحة التطبيق أو المفاضلة بين الأحكام المختلفة ؛ وهكذا يجب على من يعمل على تنظيم الواقع عن طريق وضع القيود التنظيمية القانونية أن يكون مدركاً أشد الإدراك لطبيعة الواقع الذى ينظمه وفيزيقا العوامل المؤثرة فيه ؛ وإلا أدت القاعدة التنظيمية (القانونية) إلى غير ما قصد المشرع. فى حالة الدستور تضع مبادئه إطاراً عاماً يقع فى داخله كل ما هو شرعى وفى خارجه كل ما هو غير شرعى والعقوبة على الخروج عن الإطار الدستورى هى عقوبة الامتناع أو عقوبة الإلغاء، أما المستوى الأقل وهو القوانين وما دونها فهى إما تضع إطاراً يفصل بين ما هو شرعى وما هو غير شرعى أو مساراً إجرائياً ينظم السلوك الاجتماعى وعقوبة الخروج عن النص القانونى إما أن تكون بطلان الإجراء أو عقوبة بدنية أو مالية فى حالة اقترانه بالضرر للمجتمع أو للأفراد الذين تم الإضرار بهم.
الفقرة السابقة جزء لا يتجزأ من فلسفة القانون الوضعى على المستوى الدستورى أو ما تحته من القوانين والقرارات والأحكام، وهى كذلك على مستوى الشريعة الإسلامية فقد خلق الله الإنسان وأرسله رحلةً محسوبةً على الأرض لكى يفقه شريعة الله الكونية حيث لا يُمكن أن تكون الصلة مقطوعةً بين التزكية على الأرض وتلك الشريعة فالصالحون على الأرض بمعايير الشريعة الإسلامية هم أنفسهم الصالحون لملكوت الله الأعلى فى الجنة ؛ وهكذا فإن على كل من يمارس أمراً من أمور الشريعة الإسلامية أو تطبيقاتها أو يبحث فيها ألا يغيب عن عمله الهدف من النص التشريعى بوضوح باعتباره جزء لا يتجزأ عن النص؛ ويحرص على أن يحقق النص وكذلك تطبيقه الهدف المقصود.
المشرع فى حالة القانون الوضعى هو من البشر الذين يديرون شئون الدولة (السلطة التشريعية فى حالة الدولة الحديثة)، أما فى حالة الشريعة الإسلامية فالمشرع هو الله سبحانه وتعالى ؛ وكما فى حالة القانون الوضعى فإن العقوبة يجب أن تكون الامتناع أو الإلغاء لهذا الفقه الخارج عن الإطار الدستورى للمعاملات الإسلامية، وفى مستوى القوانين فهناك العقوبات الشرعية البدنية والمالية .
من الفقرات السابقة يتضح أن مَن يعمل مِن رجال القانون والشريعة دون وضوح هدف وغاية فإن ما يطبقونه سيصبح مجرد نصوص جامدة لابد من طاعتها طاعةً عمياء محافظةً على ا
لدولة (عند رجال القانون الوضعى) أو طاعةً لله ورسوله (عند رجال الشريعة) وإن النتيجة النهائية هى ارتباك المجتمع وربما فساد شأنه وتشتت أحواله ؛ وغالباً ما يكون هذا هو السائد فى عصور الاستبداد والانحطاط السياسى لإخفاء المقاصد السلطانية الفاسدة.
مفهوم القاعدة العامة المجردة هو أنها تُطبق على المواطنين كلهم جميعاً بالتساوى دون النظر لأى اعتبار وهذه القاعدة نفسها تم إرساؤها فى الشريعة الإسلامية بتحريم الشفاعة حتى لو كانت فاطمة بنت محمد كما سبق البيان بعاليه، وبالتالى نستطيع أن نعتبر الشريعة الإسلامية أحد روافد القواعد القانونية ليستفيد من مزاياها البشر جميعاً بصرف النظر إلى مرجعيتهم الإسلامية من عدمه، هذا على المستوى الدستورى العام وكذلك على المستوى القانونى المقترن بالجزاء المادى ويطبق على الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، والرقعة التى يجرى تنظيمها بالتشريعات الدستورية والقانونية واحدة سواءٌ كان المصدر من عند البشر أومن عند الله سبحانه وتعالى.
الرباط بين التشريع الإلهى والتشريع الوضعى هو أن دستورية القرآن الكريم تشرع للحقوق الطبعية للبشر جميعاً فى الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبالتالى هى تسبق الدساتير الوضعية وأى دستور وضعى يخرق أحد هذه الحقوق فهو دستور غير شرعى لأنه يخرق الإطار الدستورى الذى شرَّعه الإسلام؛ أما تنظيم الدولة الذى يتناوله الدستور الوضعى فيندرج تحت التفاصيل نقبله أولا نقبله على أساس نجاحه فى تحقيق الهدف النهائى وهو الحفاظ على الديموقراطية وحقوق الإنسان؛ وفى هذا الشأن نبين أن العلوم السياسية الحديثة تنظم الدولة على أساس الفصل بين السلطات «التشريعية والتنفيذية والقضائية» والاحتكام إلى صندوق الانتخا
ب فى اختيار ممثلين عن الشعب حيث حق التصويت مكفول لكل المواطنين ولهم جميعاً حقوق متساوية وللمجلس المنتخب حق إقرار القوانين وكذلك بيان للآلية القانونية التى سيتم على أساسها محاسبة رئيس الدولة الذى يُنتخب لفترة محددة ثم لا يحق له البقاء فى المنصب بعدها مهما كانت الأسباب؛ بالإضافة إلى مراعاة وبيان الآليات القانونية للمراجعة والتوازن بين هذه السلطات «التشريعية والتنفيذية والقضائية» كما تم بيانه فى البند الخام
س من هذه المقالة؛ كل هذه العوامل مجتمعة هى الطريق الوحيد الذى تعرفه البشرية لتحقيق العقد الاجتماعى الشرعى الذى بينه عمر بن الخطاب «الطاعة مقابل المحاسبة»، ويجب أن نتذكر أن دولة الخلافة الراشدة قد قامت فى صدر الإسلام على هذه المبادئ التى احترمها الخلفاء الراشدون «أبو بكر وعمر وعثمان وعلى» رضى الله عنهم أجمعين ورعاً وطاعة لله سبحانه وتعالى واقتداءً بصحيح سنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سقطت فى ظروف القرون الوسطى فيما يُعرف بأحداث الفتنة الكبرى عام 40 هجرية على يد جماعات المصالح لتُحكم البلاد العربية والإسلامية بنموذج الدولة الأموية المنتمى للقرون الوسطى حيث يحكمها أفرادٌ من عامة أنواع الب
شر لا يطيقون قيود الخلافة الراشدة إلا إذا اضطُرُّوا إلية وأُجبروا على احترام مبادئه بالمساءلة والعقاب القانونى وهو ما لم
تعرفه البشرية وتحل ألغازه إلا فى القرن السابع عشر الميلادى وتطبقه الدول الحديثة فى القرن الثامن ع
شر مع الثورة الفرنسية وغيرها، وهكذا استمر نموذج دولة القرون الوسطى والدول التى حاولت التخلص من هذا النمط حُكِمت مؤقتاً بدكتاتوريات عسكرية مؤقتة لم يطق أحدٌ من حكامها أن يفعل خيراً ويُزكِّى على الشعب بحقوقه فى الديموقراطية وحقوق الإنسان فاستقر حكامها على نموذج الدولة البوليسية ليحتفظوا بكل السلطات دون مساءلة فى دولة مدنية، حتى دخلتنا رياح الحداثة السياسية مع الثورة التونسية والمصرية عام 2011 ميلادية (1432 هجرية) لتصحح أوضاع دولة القرون الوسطى أو الدولة البوليسية .
الحكم بالغلبة يعنى الحكم لمن غلب أى أن يحصل الحاكم على سلطة الدولة عن طريق ممارسة القوة أو الخديعة ضد كل من يعارضة فى جلوسه على مقعد الرئاسة وهذا ما كان عليه ال
شأن فى نمط الدولة الأموية فى القرون الوسطى وفى نمط الدولة البوليسية فى العصر الحديث؛ وقد تطاول هذا النمط من الحكام إلى توريث الحكم إلى الأبناء والأحفاد؛ وليس المقصود به من يقاتل هؤلاء الظلمة ويرد علي
هم الضربة بالضربة ليعيد الحقوق لأصحابها فيعيد نهج النبوة والخلافة الراشدة والشورى والمحاسبة إلى آخر خصائص الحكم الرشيد؛ إذن من يفعل ذلك هو من المصلحين لأن العبرة هى بالأسلوب الذى تستقر عليه إدارة الدولة حيث شرعيته هنا هى فى اتباعه لأسس الديموقراطية واحترامه لحقوق الإنسان كما شرعها الله سبحانه وتعالى فى الإطار الدستورى للقرآن الكريم وسنة نبيه.
العبرة من التشريع هو تحقيق الأهداف والمقاصد، وفى الفقرة السابقة تم بيان الظروف التاريخية التى نشأ وتعضَّد فيها فقه الحكم بالغلبة إنها ظروف القرون الوسطى والدولة البوليسية الجبرية الحديثة التى تمارس التعذيب وتزوير الانتخابات، ولكن ما هى تداعيات إحياء فقه الحكم بالغلبة فى ظروف العصر الحديث وتأثيرها على المجتمع، قديما كل من خرج عن نهج النبوة فى الحكم والإدارة انزلق إلى الخروج ع
ن الإطار العام للمعاملات الإسلامية وأول من انزلق إلى ذلك كان معاوية بن أبى سفيان بن حرب، وكان ذلك بقتل حُجر بن عدى فى السنة الحادية والخمسين من الهجرة على يد معاوية بن أبى سفيان بن حرب رضى الله عنهما نفسه وبعد توليته الحكم بإحدى عشرة سنة([47])،([48]). أما عن جرائم المستبدين من الحكام المحدثين فى حق شعوبهم فنحن نعيش هذا الواقع حيث يضطر المستبد إلى تكميم الأفواه باعتقال المعارضين السياسيين وربما إلى إخفائهم وقتلهم فضلاً عن اقتران الاستبداد بنهب ثروات الأمة وإرسال المال المنهوب إلى البنوك الأجنبية ثم البحث عن أنصارٍ لحكمه من الخارج فيضطر إلى أن يكون عميلاً للقوى العالمية ويهدر مقدرات ومصالح شعبه (المسلم) ويُمكِّن للاستعمار الخارجى، وهكذا فإن النقل عن السلف الصالح لا يمكن أن يتم دون النظر لإدراك موقع ما ينقل ما إذا كان يقع داخل أو خارج الإطار العام للمعاملات الإسلامية وما هى الظروف التى تم فيها كتابة هذا الفقه المنقول ولماذا ؛ وأخيراً ما هى تداعيات إحيائه وتطبيقه فى العصر الحالى ؛ كل هذه أُمور هامة ولا يمكن أن يتم التطبيق دون الإجابة على هذه الأسئلة الآساس فى موضوع التشريع .
9 ـ أطوار الدولة الإسلامية ومستقبل الفقه السياسى الإسلامى
أنزل الله رسالته الإسلامية الخاتمة بشقيها القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة فى القرن السابع الميلادى حيث بيـَّن الرسول الكريم سنته فى الحكم والإدارة وقد اتبع الخلفاء الراشدون هذا النهج فى صدر الإسلام بتلقائيةٍ وبساطة وبدون أى تفلسف أو أى تعقيدات استجابةً وإخلاصاً لكل ما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفةً تقوى لله سبحانه وتعالى واتباعاً لرسوله الكريم، ثم ظهرت جماعات المص
الح لتنقض على الدولة الإسلامية لتقيم دولة القرون الوسطى بدءاً من الدولة الأموية عام 40 هجرية حيث امتد هذا النمط من الحكم فى بعض الدول الإسلامية بسماته المتمثلة فى الدول الملكية والإمارات التى تورث الحكم فى عائلاتٍ بعينها وتتحكم فى ثروة الدولة بلا رقيبٍ ولا حسيب، بينما تحولت بعض الدول الأخرى إلى دولٍ بوليسيةٍ حديثة بعد التحرر من الاستعمار حيث لم يتنبه الثوار إلى أن الاستبداد العسكرى لن يستقر فى النهاية إلا على نموذج الدولة البوليسية فهى النموذج الوحيد الذى يحفظ للجيل الثانى أو الثالث من الثورة كل السلطات فى الدولة المدنية.
الفقه السياسى الإسلامى الوحيد الذى يتوافق مع نموذج دولة القرون الوسطى والدولة البوليسية هو «فقه الحكم بالغلبة» حيث ينتقى أحكاماً من القرآن والسنة تبرر الخضوع إلى الحكام حتى لو ظلموا حتى يصبر المحكومين ويتحملوا الظلم الذى هو فى هذه الدول قدرٌ لا يُمكن الفرار منه حتى لا تتفسخ الدولة الإسلامية وهو الفقه الرسمى الذى يردده الفقهاء علناً بصرف النظر عن قناعاتهم الشخصية، وهناك سبب آخر فلسفى وهو عدم فقدان الطابع الإسلامى للدولة صراحةً وهذه ناحية معنوية. بعد ثورات الشعوب وهزيمة الاستبداد وبدء الديموقراطية الحديثة والاحتكام إلى صندوق الانتخاب لن يجد السلفيون المنادون بفقه الحكم بالغلبة أمامهم إلا أن يختاروا بين مقاطعة الانتخابات وفقدان حقوقهم السياسية بالكامل أو المشاركة فيها، إن حدث وشارَكوا فلن يجدوا فى الفقة السياسى الإسلامى ما يدعم مشاركتهم فى العملية الديموقراطية إلا إحياء «فقه الخلافة الراشدة» حتى يجدوا سنداً لاختيار الحاكم ومحاسبته حيث لن يسعفهم فقه الحكم بالغلبة لأنه يأمر الرعية بالخضوع المطلق للحاكم.
وهكذا بدأ الفقه السائد فى الدولة الإسلامية ليكون فقه الخلافة الراشدة طبعياً عفوياً فى صدر الإسلام ثم فقه الحكم بالغلبة فى دولة القرون الوسطى والدولة البوليسية حيث تُرَوِّج ل
ه الدوائر الرسمية ثم يعود صراحةً إلى فقه الخلافة الراشدة ولكن بعمقٍ وتفلسف بما يناسب العصر حيث أنه الفقه السياسى الإسلامى الوحيد الذى يمكن أن يواكب الديموقراطية داخل الدولة ويجد لنفسه مكانةً فى الساحة السياسية العالمية.
فى تطبيق الشريعة الإسلامية
أول ما يجب أن يبدأ به تطبيق الشريعة الإسلامية، هو الإقرار بدستورية القرآن الكريم وكتابة دستور حديث يقرر الحقوق الطبيعية للبشر جميعاً يحقق نظام الدولة فيه العقد الإجتماعى المستقر فى دولة الخلافة وهو «الطاعة مقابل المحاسبة» وهذا يستوجب الأخذ بالنظم السياسية الحديثة القائمة على الفصل بين السلطات وحق حرية تكوين الأحزاب بما فيها الممارسات الخاصة بالانتخابات بالمعايير العالمية لآليات الديموقراطية الحديثة، وأن القصد العام من الدستور هو تحقيق الديموقراطية بمعنى حق الشعب فى اختيار الحاكم ومحاسبته وحقوق الإنسان فى الحصول على الحاجات الأساسية الكريمة فى المأكل والملبس والس
كن والتعليم والصحة.
فى مستوى التقنين للحدود التى جاءت فى الشريعة الإسلامية مذكورةً فى آياتٍ محكمات وسنةٍ متواترة، فإن فلسفة التقنين الوضعى المستند على الشريعة الإسلامية يجب أن تحافظ على الثوابت الآتية:
- أن يقع التشريع على المستوى القانونى داخل المبادئ الإطارية للمعاملات الإسلامية فى العدل والمساواة وأن تحقق «الديموقراطية وحقوق الإنسان»، وإلا يُطبق عليه عقوبة الامتناع أو الإلغاء .
- أن يُجرِّم التشريع فى الدولة ما جرَّمه الله وأن يحل ما أحله الله .
- أخيراً فى موضوع «حجم العقوبة ونوعيتها» فيما ذُكِرَ فى آياتٍ محكمات وسنةٍ متواترة؛ فإنه يُمكن أن يختلف التشريع فى الدولة الإسلامية الحديثة عمَّا كان عليه الأمر وارداً فى النص القرآنى يوم نزول الرسالة الإسلامية فى القرن السابع الميلادى بشرط أن يُعطى نفس الأثر النفسى والاجتماعى المقصود من العقوبة على من يعيشون ظروف الدولة فى القرن الواحد والعشرين وما بعده، أى يمكن الاختلاف فى «حجم العقوبة ونوعيتها» بشرط المحافظة على فلسفة العقوبة وأثرها كما جاءت فى صدر الإسلام.
بالأخذ بهذه القواعد الثلاثة على مستوى التشريع للقوانين فى القرن الواحد والعشرين يمكن أن يتم «تنظيم السلوك الاجتماعى» على نفس ما أراد الله له أن يكون.
10 ـ الخلاصة
شريعة الله الكونية لها مبادئ لا تتبدل فى كل الرسالات السماوية واكتمل بيانها فى الرسالة الإسلامية «القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة»، هذه المبادئ قد نزلت فى «آيات محكمات وسنة نبوية متواترة» لتشكل إطاراً دستوريا مُحكماً لا يُـسمح لأحدٍ من البشر أن يتجاوزه ؛ هذا الإطار الدستورى يبين «الديموقراطية وحقوق الإنسان» حقوقاً طبعية لا يحق لأحدٍ أن يعتدى عليها وهو فى ذلك يضعها سابقةً للحقوق فى الدساتير الوضعية وعلى كل الدساتير الوضعية الشرعية أن تحترم ذلك وأن تضع نظام الدولة الذى ينظم ممارسة هذه الحقوق وينظم بطريقة قانونية كيفية اختيار الحكام ومحاسبتهم على السلطة المفوضة إليهم بتشاور المحكومين فى الأمر، وعلى مستوى الأفراد نجد «الإطار العام للمعاملات الإسلامية» مستنداً على هذا الإطار الدستورى حيث لا يجوز لأحدٍ من البشر أن يتجاوزه لأى سبب من الأسباب.
بين الرسول الكريم سنته فى «موضوع الحكم والإدارة» حيث تعتبر هى التطبيق الخاص لدستورية القرآن الكريم و«الإطار العام للمعاملات الإسلامية» فى ك
ل ما يتعلق بممارسات السلطة، حيث تميز حكمه بالخصائص الآتية: العدل والمساواة والرحمة، الشورى؛ وأقل ما يعنيه ذلك هو حرية الرأى وألا يُضار أحدٌ من اختلافه فى الرأى مع أصحاب السلطة والنفوذ، التعفف عن التمتع بأبهة السلطة أو اكتساب النفوذ الاجتماعي أو التربح منها، السلطة أمانة لا تُستخدم لغير الغرض التى فُوضت من أجله، وأخيراً رد المظالم قبل مغادرة مقعد السلطة بالوفاة أو بغير ذلك وهذا واضحٌ من ذكر الخبر عن مرض رسول الله الذى توفى فيه.
وكان هذا ما اتبع الخلفاء الراشدون وبالنظر إلى أن سنة الرسول الكريم هى وحىٌ يوحى (سورة النجم، آية 1ـ5)، فقد زاد عليها الخلفاء الراشدون بالاعتراف للرعية بحقها فى محاسبة الحاكم ومراجعته على السلطة العامة وعلى المال العام وهذا واضحٌ فى خطبتى استهلال الحكم لدى أبى بكر وعمر؛ وبيـَّن عمر «العقد الاجتماعى» فى دولة الخلافة الراشدة (الطاعة مقابل المحاسبة) عندما حاسبه أحد العامة على برودٍ وردت من اليمن، لقد أعطى الحكام فى دولة الخلافة الراشدة حقوق المحكومين السياسية الشرعية ورعاً وطاعةً لله سبحانه وتعالى واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تكون هناك آليات قانونية فى الدولة تجبرهم على ذلك.
عندما انقضى جيل الصحابة المقربين وجاء من بعدهم بشر من عامة الناس يطمعون فى ترف الحكم وأبهة السلطة وسكنى القصور سقطت دولة الخلافة الراشدة فيما يُعرف بأحداث الفتنة الكبرى عام 40 هجرية (القرن السابع الميلادى) ليحل محلها «دولة القرون الوسطى» بدءاً من الدولة الأموية ومن أعقبها من الد
ول الإسلامية، ولم يكن ممكناً أن يقوم نظامٌ سياسى أحدث من ذلك فى القرن السابع الميلادى وما بعده فى العالم كله حتى ظهرت الدولة الحديثة فى أوروبا بعد عصر التنوير والنهضة فى القرن السابع عشر وما بعده ؛ أى حوالى عشرة قرون أقامت فيها دول الخلافة الإسلامية المتعاقبة حضارةً عظيمة وتسيدت العالم بالتأكيد حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادى لأنها كانت تلائم عصرها وتأخذ بأحدث ما فيه من النظم السياسية.
فى ظروف القرون الوسطى حيث لا تسمح العلوم السياسية بإقامة النظام السياسى الذى يحقق مبادئ الحكم على نهج النبوة والخلافة الراشدة على أسس قانونية تُعاقِبْ من يخرق قواعدها من الحكام كما فى النظم الحديثة تأسست شرعية فقه الحكم لمن غلب (بالقوة أو بالخديعة) بل وشرعية تداول الحكم بالوراثة داخل الأسرة الحاكمة استجابةً لطغيان الواقع، هذا وقد تسبب امتداد وجود دولة القرون الوسطى بسندها من «فقه الحكم بالغلبة» إلى العصور الحديثة فى تخلف الدول الإسلامية عن ركب الحضارة الإنسانية بينما نهضت الدول الأوروبية مما أدى إلى سقوط الدول الإسلامية عامةً فى قبضة الدول الاستعمارية الأوروبية، وعندما أراد المسلمون أن يتخلصوا من تخلف دولة القرون الوسطى أو التحرر من الاستعمار استبدلوهم بدكتاتوريات عسكرية يمارسها الثوار الذين حرروا البلاد، فإذا أرادوا أن يتحولوا إلى الدولة المدنية صَعُبَ على الثوار أن يتنازلوا عن سلطاتهم المطلقة فتم كتابة دساتير تؤسس للدولة البوليسية نموذجاً سائداً فى الدول الإسلامية مع ديموقراطيات شكلية دون مضمون حتى يظل الحاكم يمارس السلطة المطلقة فى دولةٍ مدنية، وهكذا فإن النموذج السائد فى حكم الدول الإسلامية فى القرن الواحد والعشرين هو دولة القرون الوسطى الموروثة أو الدولة البوليسية المتحررة من الاستعمار، ويسود النموذجين «فقه الحكم بالغلبة».
حيث لا يستطيع الإنسان أن يمارس حياته فى توافق داخلى؛ يؤمن بصحيح القرآن والسنة ويكون جزءاً من دولة القرون الوسطى أو الدولة البوليسية؛ يؤمن بقيم الخلافة الراشدة ويمارس استبداد القرون الوسطى وجرائم الدولة البوليسية؛ وهذا ينطبق على فئة الحكام وأعوانهم الذين يمارسون كل صنوف الاستبداد والاستيلاء على المال العام فى مناخٍ
من الإعلام المساند والشرعيةٍ القانونية أومن فئة المحكومين الذين يعطون دون مقاومة؛ نجد فقه الحكم بالغلبة. لقد تميز هذا الفقه بانتقاء نصوصٍ من القرآن والسنة تأمر بطاعة الحكام دون ذكر الشروط الشرعية لهذه الطاعة (كما جاءت فى فقه الخلافة الراشدة) وذلك للحفاظ على الدولة الإسلامية وعدم تفككها فى اقتتالٍ داخلى، وفى سبيل الاستناد على نصوصٍ من القرآن والسنة لإثبات فقه الحكم بالغلبة وشرعية ممارسات دولة القرون الوسطى أو الدولة البوليسية تم الاستناد على أنصاف الآيات مع أن الواجب عدم تجزئة الآية الواحدة ولا إخراجها من سياقها، مناقضاً فى ذلك دستورية القرآن الكريم التى تستوجب الأخذ بكل الإطار الدستورى المكون من «الآيات المحكمات والسنة المتواترة» متكاملين مما يجعل فقه الحكم بالغلبة فاقداً للشرعية على كل الوجوه.
بالأخذ بدستورية القرآن الكريم لا توجد شرعية إلا لفـقه الخلافة الراشدة، وقد مَـنَّ الله على الناس فى دولة العصر الحديث بالتقدم السياسى فكراً ونظماً إدارية وتشريعية تسمح بإمكان قيام الشعب باختيار الحكام ومحاسبتهم على السلطة المفوضة إليهم بطريقة منظمة مع إخضاع الحاكم للمساءلة القانونية المشفوعة بالعقاب ورد المظالم بما يحقق العقد الاجتماعى فى دولة الخلافة الراشدة (الطاعة مقابل المحاسبة) حيث يوجد دستور وضعى مكتوب ينظم الدولة على أساس الفصل بين السلطات وحرية تكوين الأحزاب وممارسة آليات الديموقراطية حيث نضيف إليها الحفاظ على الحد الأدنى الكريم للحياة مكفولاً لكل الفئات الضعيفة والمهمشة مع إعطائها فرصة النهوض والانضمام إلى الفئات الكريمة وهذا هو أساس حقوق الإنسان كما كفله الإسلام ويؤيده فى ذلك الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1949م، الدولة التى تطبق الديموقراطية وحقوق الإنسان بإخلاص هى دولة تتبع نهج الخلافة الراشدة بأسس قانونية حديثة.
كما تسبب «فقه الواقع» فى ظهور «فقه الحكم الغلبة» فى الدول الإسلامية فى القرون الوسطى واستمر عندما تحول بعضها إلى دول بوليسية، فإن «فقه الواقع» فى الدول التى ستتحول إلى الديموقراطية الحقيقية سوف يدفع السلفيين الذين يؤمنون بشرعية «فقه الحكم الغلبة» نقلاً عن فقهاء اضطروا إليه فى ظروف القرون الوسطى إلى
التحول إلى فقه الخلافة الراشدة حتى يعيشوا فى توافق داخلى وهم يمارسون حقوقهم السياسية ويذهبون إلى صناديق الانتخابات ويحاسبون الحكام على السلطة المفوضة إليهم ويجبرونهم على رد المظالم من خلال المساءلة القانونية، وكذلك موقف الصوفية الذين أسقطوا شئون الحكم من اهتمامهم وتركوه للحكام يصرفونه بطريقتهم وعلى مسئوليتهم وفى ذلك تفويض غير مشروط للحكام يجعلهم يحصلون على ما شرعه لهم فقه الحكم بالغلبة وفى ذلك رهبانية ما كتبها الله على أحدٍ من المسلمين؛ من يذهب منهم إلى ممارسة حقوقه السياسية ويذهب إلى صناديق الانتخاب سيستعيد ذاكرته واتساقه الداخلى ويتحول إلى «مذهب الخلافة الراشدة الحديثة» التى تأخذ بالنظام التشريعى الحديث حيث يتم كتابة دستور وضعى أساسه العقد الاجتماعى «الطاعة مقابل المحاسبة» ويحترم بطريقة قاطعة الديموقراطية وحقوق الإنسان «حق كل مواطن فى الحياة الكريمة»، هذا هو الأساس الذى يجب أن يحترمه كل من ينادى بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبناءً عليه يتم البحث فى كيفية الأخذ بالمستويات الأقل من التشريع وهى القوانين التى جاءت فى آياتٍ محكمات وسنة متواترة لتضع نظماً بعينها فى بعض الموضوعات الجنائية والمدنية والأمور الشخصية وغيرها ويشرع عقوبات (حدود) تطبق على المخالفين لهذه الأحكام؛ لا يستطيع أحدٌ أن يتجاوز نصاً قانونياً وعقوبةً منوطةً به جاءت فى آيةٍ محكمة، ولكن عند النص على التشريع لهذا القانون فإن الغايات العليا للتشريع فى الدولة يجب أن تكون جزءاً داخلياً من الغايات العليا للدستور الإسلامى وأولها تماسك الدولة الإسلامية والتفاف مواطنيها حول القيم الإسلامية العليا فى «الديموقراطية وحقوق الإنسان»، وأن الفكرة والفلسفة والغاية العليا من وضع عقوبة على المخالفين لأى قانون هو دفع المواطنين إلى طاعة القانون مع اقتناعهم الجمعى بعدالة العقوبة على المخالفين ومناسبتها لحجم الجرم وطبيعته وبذلك يصبح القانون بكل عناصره جزءاً من الوعى والثقافة العامة، فإذا جاءت نصوص القانون الوضعى فى الدولة الإسلامية تحلل ما أحل الله وتحرم ما حرَّم الله وتختلف فقط فى استبدال العقوبة القصوى المنصوص عليها فى الآيات المحكمات حفاظاً هذه القيم العليا وتؤدى إلى نفس القصد من التشريع الإلهى فما الذى يمنع من الأخذ بهذا المنهج حفاظاً على «دولة الخلافة الراشدة الحديثة».
[1] «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 (الطبعة الرابعة )، ص 146 – 157
[2] المرجع السابق، ص 148.
[3] «القانون الدستورى، النظرية العامة»، الأستاذ الدكتور/ إبراهيم درويش، ص 150 – 151.
[4] «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007م.
[5] “علم أصول الفقه، وخلاصة التشريع الإسلامى” للشيخ عبد الوهاب خلاف، دار الفكر العربى، القاهرة، 1416 هجرية – 1995م، ص 35.
[6] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلَّا الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ
التخريج: رواه الإمام أحمد في مسنده، باب مسند أبي سعيد الخدري، الجزء 22 ص276 حديث رقم 10731
[7] «حياة محمد»، محمد حسين هيكل، دار المعارف، القاهرة ، 1981 (الطبعة السادسة عشرة )، ص 66 – 67.
[8] عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ قَالَ أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي لَا آلُو قَالَ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرِي ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
التخريج: رواه الإمام أحمد في مسنده، باب حديث معاذ بن جبل، الجزء 44 ص493 حديث رقم 21000
[9] «أصول التشريع الإسلامى»، الشيخ على حسب الله، دار المعارف، القاهرة، 1985، ص 13.
[10] «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة السابعة – العدد الثانى والعشرون، 1425هـ – 2004م.
[11] «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مرجع سبق ذكره.
[12] «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007م.
[13] سورة الأحزاب، آية 28، 29.
[14] «تاريخ الطبرى، تاريخ الأمم والممالك»، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى، المجلد الثانى (من السنة الأولى للهجرة لغاية السنة 35 للهجرة)، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1408هـ – 1988م (ص 244، 245).
[15] «الفاروق عمر»، محمد حسين هيكل ، دار المعارف ، القاهرة ، 1986 (الطبعة الثامنة )، ص 93، 94.
[16] «الشريعة الإسلامية فى الحكم والإدارة، الأصول والإحياء»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثانى والثلاثون، 1428 هجرية – 2007م.
[17] «تاريخ الطبرى، تاريخ الأمم والممالك»، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى، مرجع سبق ذكره، ص227.
[18] «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مرجع سبق ذكره.
[19] «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مرجع سبق ذكره.
[20] «فقه السنة»، الشيخ سيد سابق، المجلد الثانى (الجزء الثامن )، دار الريان للتراث (مكتبة الخدمات الحديثة)، القاهرة، 1988 ص 506.
[21] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُسَامَةُ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
التخريج: صحيح مسلم، باب قطع السارق الشريف وغير، الجزء 9 ص54 حديث رقم 3196
سنن أبي داود، باب في الحد يشفع فيه، الجزء 11 ص446 حديث رقم 3802
[22] «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948م.
http://www.huquqalinsan.com/?blog=1&page=1&disp=posts&paged=2
[23] «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007م.
[24] «Political thought from Plato to the present», M. Judd Harmon, McGraw-Hill, Inc. New York, 1994.
[ 25 ، 26 ، 27] المرجع السابق
[28] «سقوط وبعث نمط الخلافة الراشدة فى الحكم والإدارة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة التاسعة – العدد الخامس والعشرون، 1426 هجرية – 2005م.
[29] «العولمة والإسلام ونهاية التاريخ»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة التاسعة – العدد السابع والعشرون، 1426 هجرية – 2005م .
[30] «الشريعة الإسلامية فى الحكم والإدارة، الأصول والإحياء»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثانى والثلاثون، 1428هـ – 2007م.
[31] «الفاروق عمر»، محمد حسين هيكل، (الجزئين الأول والثانى)، (الطبعة الثامنة )، دار المعارف، القاهرة، 1986، (الجزء الثانى، ص 194 ) .
[32] «الشريعة الإسلامية فى الحكم والإدارة، الأصول والإحياء »، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة ـ العدد الثانى والثلاثون، 1428هـ – 2007م.
[33] «سنة الرسول الكريم وخلفائه الراشدين فى الحكم والإدارة، بيان لعناصر الحداثة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة السابعة – العدد الثانى والعشرون،1425 هجرية – 2004 .
[34] د. على الدين هلال، تطور النظام السياسى فى مصر، 1803 – 1999، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة، 2002، ص 8.
[35] «العولمة والإسلام ونهاية التاريخ»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة التاسعة – العدد السابع والعشرون،1426 هجرية – 2005م .
[36] «الفتنة الكبرى، الجزء الثانى، على وبنوه»، طه حسين، مرجع سابق، ص 218ـ 224. «تاريخ الطبرى، تاريخ الأمم والممالك»، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى، المجلد الثالث (من السنة 36 للهجرة لغاية السنة 90 للهجرة)، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1408هـ – 1988م، (ص218 – 228).
[37] «العولمة والإسلام ونهاية التاريخ»، د. بهاء الدين محمود منصور، مرجع سابق.
[38] «سقوط وبعث نمط الخلافة الراشدة فى الحكم والإدارة»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة التاسعة ـ العدد الخامس والعشرون، 1426هـ ـ 2005م.
[39] دكتورة/ حورية توفيق مجاهد، «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده»، مكتبة الأنجلوالمصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999، ص 281، 282
[40] «التأسيس لدستورية القرآن الكريم»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة – العدد الثالث والثلاثون، 1428 هجرية – 2007م.
[41] «الشريعة الإسلامية فى الحكم والإدارة، الأصول والإحياء»، د. بهاء الدين محمود منصور، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى، جامعة الأزهر، السنة الحادية عشرة ـ العدد الثانى والثلاثون، 1428هـ ـ 2007م.
[42] «الفكر السياسى من أفلاطون إلى محمد عبده»، دكتورة/ حورية توفيق مجاهد، مكتبة الأنجلوالمصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999م، ص 287.
[43] المرجع السابق، ص 288
[44] المرجع السابق، ص 291
[45] مثل الأمر بكتابة الدين فى الآية رقم 282 من سورة البقرة
[46] المدخل للعلوم القانونية، النظرية العامة للقانون»، الدكتور/ أحمد شوقى محمد عبدالرحمن، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2005 ص 6.
[47] الفتنة الكبرى، الجزء الثانى، على وبنوه»، طه حسين، مرجع سابق. ص 218- 224
[48] «تاريخ الطبرى، تاريخ الأمم والممالك»، الطبرى، مرجع سابق. ص 218 – 228